يحكم المتأخرون بتكفير قائله
ـ كما فعلوا مع سيد قطب ـ: (وأما النوع الثاني: فهو الفناء عن شهود السوى، وهذا
يحصل لكثير من السالكين؛ فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته
وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد وترى غير ما تقصد؛ لا يخطر بقلوبهم غير الله؛
بل ولا يشعرون؛ كما قيل في قوله: ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها﴾ قالوا: فارغا من كل شيء إلا
من ذكر موسى. وهذا كثير يعرض لمن فقمه أمر من الأمور إما حب وإما خوف. وإما رجاء
يبقي قلبه منصرفا عن كل شيء إلا عما قد أحبه أو خافه أو طلبه؛ بحيث يكون عند
استغراقه في ذلك لا يشعر بغيره. فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجوده
عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته حتى يفنى من لم
يكن وهي المخلوقات المعبدة ممن سواه ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى. والمراد
فناؤها في شهود العبد وذكره وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها. وإذا قوي هذا ضعف
المحب حتى اضطرب في تمييزه فقد يظن أنه هو محبوبه كما يذكر: أن رجلا ألقى نفسه في
اليم فألقى محبه نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فما أوقعك خلفي قال: غبت بك عني فظننت
أنك أني)[1]
بل إن ابن تيمية مع تشدده في
الكثير من المسائل يتساهل مع ما روي من شطحات من الصوفية الأوائل، فقد قال في
[مجموع الفتاوى]: (وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجبة
إلا الله، إذا فني بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وبمذكور عن ذكره،
وبمعروفه عن عرفانه. كما يحكون أن رجلاً كان مستغرقا في محبة آخر، فوقع المحبوب في
اليم فألقى الآخر نفسه خلفه، فقال ما الذي أوقعك خلفي؟