بقوله: (فجعل الدنيا والآخرة
من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن
ذلك المدرس، وكل ذلك كفر صريح. ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته
عليه السلام وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين لابد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج
على أشباه الأنعام اتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى
ركن وثيق، لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح وهم أبعد
الناس منه، فإن التعظيم بالقلب: ما يتبع اعتقاد كونه عبداً رسولاً، من تقديم محبته
على النفس والولد والوالد والناس أجمعين)[1]
وهكذا قال علامتهم عبد الله
بن عبد الرحمن أبابطين في الأبيات السابقة، فقد علق عليها بقوله: (مقتضى هذه
الأبيات، إثبات علم الغيب للنبي k، وأن الدنيا والآخرة من جوده، وتضمنت الاستغاثة به k من أعظم الشدائد، ورجاه لكشفها، وهو
الآخذ بيده في الآخرة، وإنقاذه من عذاب الله؛ وهذه الأمور من خصائص الربوبية
والألوهية، التي ادعتها النصارى في المسيح عليه السلام. وإن لم يقل هؤلاء إن محمدا
هو الله، أو ابن الله، ولكن حصلت المشابهة للنصارى في الغلو الذي نهى عنه k بقوله: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن
مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)[2]، والإطراء هو المبالغة في
المدح، حتى يؤول إلى أن يجعل للممدوح شيء من خصائص الربوبية والألوهية)[3]
ثم أورد ما يذكره الصوفية من
كون البوصيري وغيره من مداح رسول الله k لم يقصدوا بذلك إلا طلب الشفاعة، ثم رد عليه بقوله: (أولا: هذه
الألفاظ صريحة في
[1] تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب
التوحيد (ص 621)