وبناء على هذا راح الشيخ عبد
الحليم محمود يوضح مدى عقلانية وشرعية ما يطرحه الصوفية من معان حول وحدة الوجود،
فقال: (الوجود الواحد: وهل في الوجود الواحد من شك؟ إنه وجود الله المستغني بذاته
عن غيره، وهو الوجود الحق الذي أعطى ومنح الوجود لكل كائن، وليس لكائن غيره سبحانه.
الوجود من نفسه، انه سبحانه الحالق. وهو البارئ المصور.. وصلة الله بالإنسان إذن:
هي أنه سبحانه يمنحه الوجود الذي يريده له في كل لحظة من اللحظات المتتابعة. فشكل
حياته في كل بصورة أمده سبحانه وتعالى بها. وصلة الله بكل كائن: إنما هي على هذا
النمط)[1]
ثم بين أن معنى وحدة الوجود
في النصوص القرآنية هو نفسه معنى القيومية، فالله سبحانه وتعالى (قيوم السموات
والأرض قائم على كل نفس بما كسبت، وقائم على كل ذرة من كل خلية وقائم على كل ما هو
أصغر من ذلك وما هو أكبر، بحيث لا يعزب عن هيمنته وعن قيوميته مثقال ذرة في الأرض
ولا في السماء. هذه القيومية أخذ القرآن والسنة يتحدثان عنها في استفاضة مستفيضة
ليهزا الإنسان هزة عنيفة، فلا يخلو على الأرض، ولا يتبع هواه، وانما يرتفع ببصره،
ويستشرف بكاينه الى الملأ الأعلى مستخلصا نفسه من عبودية المادة ليوحد الله سبحانه
وتعالى في عبودية خالصة، وفي إخلاص لا يشوبه شرك من هوى أو شرك من سيطرة المادة أو
الغرائز)[2]
وبناء على هذا راح يستعرض
آيات القرآن الكريم التي يستدل بها الصوفية عادة في إثبات وحدة الوجود القرآنية التي
يؤمنون بها، ومنها قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ
نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الواقعة: 58، 59]، وقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ
نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة: 63، 64]، وقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ
الَّذِي