ثم علق على هذه الآيات
الكريمة وغيرها مبينا قيمة النظرة إلى الكون بهذه الصفة، بقوله: (هذه الهيمنة وهذه
القيومية يمر بها قوم فلا يعيرونها التفاتا، إنهم يمرون بها مرور الحيوانات بما
تدرك ولا تعقل، إن الله سبحانه وتعالى لا يحتل من شعورهم درجة أيا كانت، وهمهم كل
همهم مصبحين ممسين، إنما هو ملء البطن، أو كنز الذهب والفضة، أو النزاع على جاه،
أو العمل لتثبيت سلطان. انهم يمرون بآيات الله فلا يشهدونها، وتحيط بهم آثاره، فلا
ينظرون اليها، وتغمرهم نعماؤه وآلاؤه، فلا يوجههم ذلك الى الحمد لا الى الشكر. إن
الله سبحانه وتعالى لا يحتل في قلوبهم ولا في تفكيرهم ولا في بيئتهم، قليلا ولا كثيرا.
والطرف الآخر المقابل لهذا هو هؤلاء الذي انغمسوا حقا في محيط الإلهية. سبحوا في
بحارها، واستشقوا نسائمها الندية، وغمرهم لألاؤها وضياؤها؛ لقد بدأوا بحمد الله
وشكره على نعماه وآلائه التي تحيط بهم من جميع أقطارهم، فزادهم نعما وآلاء.. لقد
اتقوا الله حق تقاته فعلمهم الله.. لقد اكتفوا بالله هاديا ونصيرا، فهداهم الله
إلى صراطه المستقيم، ونصرهم على أنفسهم وعلى أعائدهم)[1]
وبناء على هذا فإن الشرك عند
الصوفية ينطلق من هذه النظرة للكون، واعتقاد وجوده الذاتي القائم بنفسه، يقول عبد
الحليم محمود مبينا مدى سمو الفهم الصوفي للتوحيد مقارنة بغيرهم: (.. وأخذوا شيئا
فشيئا يحاولون تحقيق التوحيد: قولا وعقيدة، وذوقا وتحقيقا، وأخذوا يرون في [أشهد
أن لا إله إلا الله] معاني لا يتطلع إليها غيرهم، وبدأ معنى الشرك يتضح لهم بصورة
لا تخطر على بال اللاهين الذين شغلتهم أموالهم وأهلوهم، وبدأوا يحطمون الشرك
يحطمون أصنامه وأوهامه. ومن النفس والهوى