حقيقة أخرى، لعلها أضخم
وأقوى. حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة. فالكينونة الواحدة
الحقيقية هي لله وحده سبحانه؛ ومن ثم فهي محيطة بكل شيء، عليمة بكل شيء ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]
ويقول عن المعاني التي
يستشعرها، وهو يعيش في ظلال هذه الأسماء:(الأول فليس قبله شيء. والآخر فليس بعده
شيء. والظاهر فليس فوقه شيء. والباطن فليس دونه شيء.. الأول والآخر مستغرقا كل
حقيقة الزمان، والظاهر والباطن مستغرقا كل حقيقة المكان. وهما مطلقتان. ويتلفت
القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله. وهذه كل مقومات الكينونة ثابتة له دون
سواه. حتى وجود هذا القلب ذاته لا يتحقق إلا مستمدا من وجود الله. فهذا الوجود
الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده. وهذه الحقيقة هي الحقيقة
الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته. وليس وراءها حقيقة ذاتية ولا وجود ذاتي
لشيء في هذا الوجود)[1]
ونحب أن نبين هنا أن سيد قطب على الرغم من عدم انتمائه
لأي طريقة صوفية، ومع ذلك رمي بسبب هذه الكلمات بالقول بوحدة الوجود.. وكفر
بسببها، وبأسباب أخرى سنراها في الفصل الخاص بتكفير السلفية للحركات الإسلامية.
وقد نبه الشيخ عبد القادر
عيسى في نهاية بيانه لموقف الصوفية من وحدة الوجود إلى أن الصوفية يتواصون بينهم
في عدم الحديث عن أمثال هذه المسائل، لأنها مسائل ذوقية، والعارف هو الذي يعيش
الحقيقة لا الذي يجادل بها، فقال: (وعلى كلٌّ فالأَوْلى بالصوفي في هذا الزمان أن يبتعد عن
الألفاظ والتعابير التي فيها إِيهام أو غموض أو