اشتباه، لئلا يوقع الناس بسوء
الظن به، أو تأويل كلامه على غير ما يقصده، ولأن كثيراً من الزنادقة والدخلاء على
الصوفية قد تكلموا بمثل هذه العبارات الموهمة والألفاظ المتشابهة، لِيَظْهروا ما
يُكِنُّونَه في قلوبهم من عقائد فاسدة، ولِيصلوا بذلك إِلى إِباحة المحرمات،
ولِيبرِّرُوا ما يقعون فيه من المنكرات والفواحش، فاختلط الحق بالباطل، وأُخِذَ
المؤمن الصادق بجريرة الفاسق المنحرف، ولهذا سيَّجَ الصوفية بواطنهم وظواهرهم
بالشريعة الغرَّاء، وأوْصَوْا تلامذتهم بالتمسك بها قولاً وعملاً وحالاً، فهي
عندهم باب الدخول وسلم الوصول، ومَنْ حاد عنها كان من الهالكين)[1]
بعد أن عرفنا تفسير الشيخ عبد
القادر عيسى لحقيقة وحدة الوجود ـ كما يفهمها الصوفية، لا كما يفهمها الفلاسفة ـ
نذكر الآن تفسير الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق، والذي اهتم
بالتصوف كثيرا، إلى جانبه اهتمامه بالفلسفة، وشهادته لها أهميتها الكبرى في هذا
المجال.
وقد تعرض لها الشيخ عبد
الحليم محمود في مواطن كثيرة من كتبه، وبين اتفاقها مع العقائد الإسلامية، وبعدها
عن الفلسفات الإلحادية، ومن ذلك ما ذكره في كتابه (أبو العباس المرسي) حيث قال:
(نريد أن نبدأ مباشرة بملاحظة تزيل – بصورة غير متوقعة – حدة المناقشة في هذا الموضوع. وذلك أننا بصدد (وحدة الوجود) ولسنا بصدد وحدة الموجود. والموجود متعدد: سماء وأرضا. جبالا وبحارا. لونا ورائحة وطعما. متفاوت ثقلا
وخفة.. ولم يقل أحد من الصوفية الحقيقيين – ومنهم ابن العربي والحلاج – بوحدة الموجود – وما كان للصوفية، وهم الذروة من المؤمنين أن يقولوا – وحاشاهم – بوحدة الموجود)[2]