مشكلة، ومن تأمله لاح له ما
أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب
والسنة. وقد كان هذا الرجل سيفا مسلولا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على
النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم
أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودا راسيا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا
ما كدر كتابه [الفاروق في الصفات] بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله
يغفر له بحسن قصده...)[1]
وقال: (قد انتفع به خلق، وجهل
آخرون، فإن طائفة من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في منازل السائرين،
وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات،
منافر للكلام وأهله جدا، وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك
الفناء الغيبة عن شهود السوي، ولم يرد محو السوي في الخارج، وياليته لا صنف ذلك،
فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين ! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا
الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة
مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)[2]
وقد قال ابن تيمية وهو يتحدث عنه:
(وأما الفناء الذي يذكره صاحب المنازل فهو الفناء في توحيد الربوبية لا في توحيد
الإلهية، وهو يثبت توحيد الربوبية مع نفي الأسباب والحكم كما قول القدرية المجبرة
كالجهم بن صفوان ومن اتبعه والأشعري وغيره، وشيخ الإسلام وإن كان رحمه الله من أشد
الناس مباينة للجهمية في الصفات وقد صنف كتابه الفاروق في الفرق بين المثبتة
والمعطلة وصنف كتاب تكفير الجهمية وصنف كتاب