لكنهم يتصورون أن ذلك حق لهم
وحدهم دون سائر الناس، أو كما نقل الشلهوب عن ابن تيمية قوله: (ومن المعلوم: أن أهل الحديث والسنة أخص بالرسول وأتباعه. فلهم من فضل الله وتخصيصه إياهم بالعلم والحلم وتضعيف الأجر ما ليس لغيرهم كما قال بعض السلف: (أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل)، فهذا الكلام تنبيه على ما يظنه أهل الجهالة والضلالة من نقص
الصحابة في العلم والبيان أو اليد والسنان. وبسط هذا لا يتحمله هذا المقام.
والمقصود: التنبيه على أن كل من زعم بلسان حاله أو مقاله: أن طائفة غير أهل الحديث
أدركوا من حقائق الأمور الباطنة الغيبية في أمر الخلق والبعث والمبدأ والمعاد وأمر
الإيمان بالله واليوم الآخر وتعرف واجب الوجود والنفس الناطقة والعلوم والأخلاق
التي تزكو بها النفوس وتصلح وتكمل دون أهل الحديث فهو - إن كان من المؤمنين بالرسل
- فهو جاهل فيه شعبة قوية من شعب النفاق وإلا فهو منافق خالص من الذين ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا
كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 13]، وقد يكون من ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي
آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ [غافر: 35]، ومن ﴿الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ
بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: 16] وقد يبين ذلك بالقياس العقلي الصحيح الذي لا ريب فيه -
وإن كان ذلك ظاهرا بالفطرة لكل سليم الفطرة - فإنه متى كان الرسول أكمل الخلق
وأعلمهم بالحقائق وأقومهم قولا وحالا: لزم أن يكون أعلم الناس به أعلم الخلق بذلك
وأن يكون أعظمهم موافقة له واقتداء به أفضل الخلق)[1]