قديماً وحديثاً- من السنة النبوية الصحيحة موقفاً مشيناً، وذلك لأن كثيراً من الأحاديث الصحيحة تقتلع أصولهم من جذورها، وتفسد عليهم منهجهم الذي أصلوه وبنوا عليه طريقتهم. ولذلك سلكوا في رد الأحاديث الصحيحة التي خالفتها عقولهم المريضة طرقاً مختلفة، فأول شيءٍ
يؤولون الحديث بما يوافق أهوائهم وعقولهم، فإن أعياهم تأويل الحديث ولم يجدوا إلى
ذلك سبيلاً، لجئوا إلى رد الحديث، فإن كان غير متواتر استراحوا وقالوا: هذا خبر
آحاد ظني لا نقبله مطلقاً، وهؤلاء هم المعتزلة القدماء، والمعتزلة الحديثة
والمعاصرة، قصروا قبول خبر الآحاد على الأحكام دون العقائد، وليس لديهم على هذا
التفريق دليل صحيح، وهم مع ذلك تراهم لا يلتزمون بهذا التأصيل الذي أصلوه في خبر
الآحاد، فحتى الأحكام يردون بعض الأحاديث الظنية ! فعاد الأمر إلى الهوى وتحكم
العقل، ولا يعنيهم بعد ذلك أن يكون في الصحيحين أو في غيرهما من كتب الحديث، وإن
كان متواتراً بحثوا في سنده، فإن كان أحد رواته قد روى شيئاً من الإسرائيليات
ردوا حديثه لأنه قد يكون مأخوذاً من التوراة، أو بحثوا في سيرة رواته علّهم يجدون
قشة يتعلقون بها للطعن بهم حتى يردوا الحديث. وقد تطاول العقلانيون قديماً
وحديثاً على الصحابة وخصوصاً رواة الأحاديث، ونالوا من عرضهم وكذبوهم، معرضين
بذلك عن تزكية الله لهم وثناء رسول الله k عليهم.
وهم – أي العقلانيين- سلكوا هذا السبيل لكي يسهل عليهم رد الحديث، فإذا طُعن في الراوي في أمانته وصدقه
وعدله، كان ذلك مدخلاً لرد مروياته)[1]
ومن العجيب أن كل هذه
الممارسات التي ذكرها مارسها سلفه الصالح، فتلاعبوا بالحديث كما شاءوا.. لكن إن
تدخل أحد من العقلاء، فأول حديثا أو رده قامت عليه
[1]
المشابهة بين المعتزلة الأوائل
والمعتزلة الجدد، ص20.