ولم يكتف
السلفية المتأخرون جدا بالاقتصار على مسائل الجهة والصفات وخلق القرآن ونحوها.. بل
أضافوا إليها الكثير من الإضافات، ليشملوا بتكفيرهم كل من يستعمل عقله، لأنهم رأوا
أن سبب المشكلة التي وقع فيها الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم هي
استعمالهم لعقولهم، وعدم جلوسهم مع كعب الأحبار ووهب بن المنبه وغيرهما ليأخذو
دينهم.
وكنموذج لهذا
التكفير الجماعي للمفكرين والباحثين أحب أن أذكر هنا كتابا ينتشر بكثرة على النت
يحمل عنوان [المشابهة بين المعتزلة الأوائل والمعتزلة الجدد] من تأليف فؤاد بن عبد
العزيز الشلهوب، وهو كتاب يبحث عن نواحي الشبه بين مقولات المعتزلة الأوائل
ومقولات المفكرين المحدثين أمثال الغزالي ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم.. ليطبق
عليهم جميعا سنة التجريح التي سنها سلفه، لأنه لكل عصر جهميته ومعتزليته.
وقد ذكر لذلك
الكثير من المآخذ والمعايير التي على أساسها يكون الحكم على المفكر المعاصر بكونه
معتزليا.. وطبعا يكفي وصمه بالاعتزال عند السلفية عن رميه بالكفر.. لأن مصطلح
[المعتزلة] عندهم مساو تماما ومن كل الوجوه لمصطلح [الكفرة]
وسنقتصر على
المآخذ الثلاثة التالية:
المأخذ الأول: تقديس العقل وتقديمه على النقل
وأول تلك
المآخذ ـ كما يرى الشلهوب ـ تقديس العقل وتقديمه على النقل[1].. ومن النصوص التي ذكرها عن سلفه، والتي
اعتبرها معايير للحكم على المخالفين لها، قول ابن القيم: (فإذا تعارض النقل وهذه
العقول أخذ بالنقل الصحيح، ورمي بهذه
[1]
المشابهة بين المعتزلة الأوائل
والمعتزلة الجدد، ص11.