وقد أقر ابن
تيمية نظريا بهذا الحديث، وإن لم يؤمن به عمليا، كما سنرى، فقد قال في (مجموع
الفتاوى): (وهذا هو معنى الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن ميسرة الفجر قال: قلت
يا رسول الله متى كنت نبيا؟.. قال: ( وآدم بين الروح والجسد)، هكذا لفظ الحديث
الصحيح. وأما ما يرويه هؤلاء الجهال: كابن عربي في الفصوص وغيره من جهال العامة (كنت
نبيا وآدم بين الماء والطين كنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين)، فهذا لا أصل له ولم
يروه أحد من أهل العلم الصادقين ولا هو في شيء من كتب العلم المعتمدة بهذا اللفظ)[2]
بالإضافة إلى
هذا، فقد أخبر الله تعالى أن له من عباده من أطلق عليهم لقب المخلصين ـ بفتح الخاء
ـ وهم الطاهرون الذين لا يتمكن الشيطان بأي حال من الأحوال أن يصل إليهم، قال
تعالى يذكر ذلك اليوم الذي بدأ فيه تاريخ البشرية: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا
أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا
صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: 39 - 42]
فهذه الآية الكريمة
تبين أن من عباد الله جواهر مقدسة بطبيعتها لا يمكن للشيطان أن يصل إليها بحال من
الأحوال، ولذلك هي عارفة بربها بالفطرة.. بل هي ـ كما يقول العرفاء ـ تولد وهي
مجتازة لكل المهامه والفيافي التي يقطعها السالكون، لأن آخر مقام في الولاية هو
أول مقام في النبوة، كما قال الغزالي: (وانفتاح هذا الباب من سر القلب
[1]
أحمد 4/66 (16740) و5/379 (23599)، وقال في (مجمع الزوائد: 8/ 223): رواه أحمد
والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.