فانظر رحمك الله كيف أن الفريق الأول وسَّعوا مسمّى البدعة حتى أدخلوا فيه ما ليس منه، وهم في المقابل قَصَروا مسمّى الشريعة على ما عرفوه وألفوه من النوازل والأحكام، حتى أخرجوا من مسمّى الشريعة بعض ما هو منها.
وانظر كيف أن الفريق الآخر ضيَّقوا مسمّى البدعة حتى أخرجوا منه بعض أفراده، وهم في المقابل وسَّعوا مسمّى الشريعة والسنة حتى أدخلوا فيه ما ليس منه.
ومن هنا يتبين لك - أيها الناظر - ما عند كل فريق من الخطأ في ضبط معنى البدعة، وهو الذي أثمر الخطأ في معنى السنة، إذ السنة والبدعة معنيان متقابلان، وعُلم بهذا أن كل فريق آخذ بطرف، مائل به عن الوسط.
وقد أشار ابن تيمية إلى نحو ذلك بقوله:
(لكنَّ أعظم المهم في هذا الباب وغيره تمييز السنة من البدعة؛ إذ السنَّة ما أمَر به الشارع، والبدعة ما لم يشرعه من الدين.
فإن هذا الباب كثر فيه اضطرابُ الناس في الأصول والفروع، حيث يزعم كل فريق أنَّ طريقه هو السنة، وطريقَ مخالفه هو البدعة، ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم المبتدع، فيقوم من ذلك من الشر ما لا يحصيه إلا الله) [1]. [1] الاستقامة (1/ 13).