القضاة والمحدثين بخلق القرآن، فمن أقر أنه مخلوق خلي سبيلا ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن[1].
وهكذا استمرت هذه المحنة التي شغلت المأمون أكثر مما شغلت المعتزلة، وعنى بها المأمون نفسه كما عنى بها المسلمون، ووقف المأمون يناصب العداء كل من خالفه في هذه المسألة، وسومه سوء العذاب[2].
ثم يأتي المعتصم من بعد أخيه المأمون، ولم يكن عصره أحسن حالا من عصر أخيه، فقد ورث الخلافة وورث معها الثورات والفتن والاضطرابات التي لم يستطع المأمون القضاء عليها أو التخلص منها، فتورط المعتصم فيما تورط فيه المأمون من القول بخلق القرآن، واستمرت المحنة في عصره، وكذلك واجهته الكثير من المصاعب في القضاء على "فتنة الزط"[3]، الذين عاثوا في طريق البصرة فسادا، فقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، وكذلك في القضاء على ثورة "بابك الخرمي"[4]، التي خلفها له المأمون وقد أنهاها المعتصم بعد جهد كبير. [1] انظر التفصيل في: "تاريخ الطبري": (8/ 631، 645) ، و"البداية والنهاية": (10/ 272، وما بعدها) ، و "تاريخ بغداد": (14/ 15) .
2 "تاريخ الأمم الإسلامية"، ص. 210- 215.
3 "تاريخ الطبري": (9/ 8- 11) ، "البداية والنهاية": (10/ 282) ، و"العصر العباسي الثاني" لشوقي ضيف: ص.10- 11.
4 "تاريخ الطبري": (9/ 11، وما بعدها) ، و"البداية والنهاية": (10/ 282، وما بعدها) .