بسهولة لخفاء اللزوم بين المعنيين، ففي البيت إذن تعقيد معنوي، وإن كان من الممكن أن يجعل هذا التعبير من قبيل المشاكلة، كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (الشورى: 40) بذلك يكون فصيحًا. وقد أضاف بعض البلاغيين إلى ما سبق في فصاحة الكلام خلوه من كثرة التكرار وتتابع الإضافات، والحق أنهما لا يخلان بفصاحة الكلام إلا إذا ترتب عليها ثقل في النطق، وكراهة في السمع، وبذلك يدخلان في تنافر الكلمات، وقد سبق الحديث عنه، فمن كثرة التكرار الذي يحدث ثقلًا في الكلام قول المتنبي يصف فرسًا:
وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد
ولعلك تلاحظ الثقل الناتج عن كثرة الضمائر، وتكرار أدوات الربط في: لها منها عليها، ومن تتابع الإضافات الذي يخل بالفصاحة قول ابن بابَك:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي ... فأنت بمرأى من سعاد ومسمع
ففيه إضافة حمامة إلى جرعى، وإضافة جرعى إلى حومة، وإضافة حومة إلى الجندل؛ بذلك ما فيه من الثقل وصعوبة النطق بهذه الإضافات المتتابعة، التي ينبو عنها الذوق، أما إذا سلم كل منهما من الثقل على لسان، والكراهة في السمع، فلا إخلال بالفصاحة لورودهما بالكلام، وقد وقع شيء من ذلك في التنزيل في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس: 7، 8) وقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (مريم: 2) كما جاء في الحديث أيضًا في قوله -صلى الله عليه وسلم: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) فالأذن لا تشعر بثقل الكلمات، واللسان لا يجد صعوبة في النطق بها، على الرغم من كثرة التكرار، الأمر الذي يؤكد أن هذا أمر مرجعه إلى