فالجمود في كلا البيتين كناية عن بخل العين بالدمع وقت الحزن والأسى، فهي عين جمود، وكذلك قول أهل اللغة: سنة جماد يعني لا مطر فيها، وناقة جماد: لا لبن فيها، ومعنى هذا أن السنة بخيلة بالقطر، والناقة لا تسخو بالدر، كذلك لو كان جمود العين يصلح أن يكنى به عن السرور لجاز أن يدعى به للرجل، فيقال: لا زالت عينك جامدة، كما يقال: لا أبكى الله عينك. وذلك مما لا شك في بطلانه، فقد اتضح لك بعد كل هذا أن التعقيد المعنوي في قول العباس بن الأحنف كامن في كلمة لتجمدا، وذلك بسبب خفاء الانتقال من المعنى اللغوي إلى المعنى المراد أو المعنى الكنائي الذي يريده الشاعر أي السرور بلقاء الأحبة، مع أن جمود العين في الاستعمال العربي الشائع إنما يكون كناية عن بخلها بالدمع حال إرادته منه، وهذا مما عقد الكلام وأبعده عن ميدان الفصاحة.
ومن أمثلة التعقيد المعنوي أن تقول: نشر الملك ألسنته في المدينة أي وأنت تريد جواسيسه؛ إذ ليس من المعهود استعمال اللسان بمعنى الجاسوس؛ لأنه لا تلازم بين اللسان ومعنى الجاسوسية، وإنما المعهود استعمال اللسان بمعنى اللغة على سبيل المجاز المرسل، الذي علاقته الآلية؛ لأن اللسان آلة اللغة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4) أي متكلمًا بلغة قومه، فاستعمال اللسان في معنى الجاسوس غير مفهوم لخفاء اللزوم بين المعنيين، وهذا تعقيد معنوي يسلب الكلام فصاحته. ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
فقد استعمل الظلم في معنى الدفاع عن النفس، والظلم تسليط الأذى على الناس لا دفع الأذى عن النفس فلا علاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى الكنائي الذي أراده الشاعر، بذلك لا ينتقل الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني