نام کتاب : علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع نویسنده : المراغي، أحمد بن مصطفى جلد : 1 صفحه : 31
ظهور القرائن الدالة على المقصود، فمعجز الكلام عن أداء المعنى، كقول العباس ابن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
يريد أنه يتحمل الفراق وآلامه، ويوطن النفس على الحزن والأسى، عله يحظى بوصل يدوم، وسرور لا ينقطع، فطالما نال الصابرون أمانيهم، وفرجت كروبهم. وهذا المعنى مطروق لهجت به ألسن الشعراء والكتاب، قال عروة ابن الورد:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف
وقال أبو تمام:
أآلفة النحيب كم افتراق ... ألم فكان داعية اجتماع1
وقيل للربيع بن خيثم، وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب.
إلا أن ابن الأحنف لم يتم له ما أراد على سنن قويم، فإنه كنى عما قصد بكنايتين أصاب في أولاهما، المحز وطبق المفصل، وأخطأ في أخراهما وجه الحقيقة، ولم يسلك المهيع الواضح في الرمز والإيماء إلى ما أراد، بيان هذا أنه دل بديئا بسكب الدمع على ما يلزم فرقة الأحباب من الحزن والكمد والتعب والنصب، فأصاب شاكلة الصواب، فإن البكاء عنوان الحزن والأمارة الدالة عليه، فيرمز به إليه حتى قالوا: "أبكاني وأضحكني" على معنى ساءني وسرني، كما قال الحماسي:
أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى2
ثم تلا ذلك فدل بجمود العين على ما يوجبه دوام التلاقي، من الفرح والسرور، لكن التوفيق لم يكن حليفه في هذا، إذ الجمود إنما هو خلو العين من البكاء عند الداعية إليه، فهو كناية عن البخل بالدموع حين الحاجة إليها، كما قال أبو عطاء يرثي أبا هبيرة:
1 ألم نزل، والنحيب البكا.
2 قبله:
أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض
نام کتاب : علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع نویسنده : المراغي، أحمد بن مصطفى جلد : 1 صفحه : 31