وبينما قوم جلوس عند رجل من أهل المدينة يأكلون عنده حيتاناً، إذا استأذن عليهم أشعب الطفيلي، فقال أحدهم: إن من شأن أشعب البسط إلى آخر الطعام، فاجعلوا كبار الحوت في صحفة ناحية، ويأكل معنا الصغار ففعلوا، وأذن له فدخل، فقالوا له: كيف رأيك في الحيتان يا أبا أشعب؟ قال: والله إن لي عليها حنقاً شديداً، لأن أبي مات في البحر وأكلته الحيتان، قال له القوم: دونك فخذ بثأر أبيك، فجلس ومد يده إلى حوت منها صغير، ثم وضعه عند أذنه، وقد نظر إلي الصحفة التي فيها الحيتان الكبار، وقال: أتدرون ما تقول هذه الحوتة؟ قالوا: لا ندري، قال: تقول: إنها لم تحضر موت أبي ولا أدركته؛ لأنها أصغر سناً من ذلك، ولكن عليك بتلك الكبار التي في زاوية البيت، فهي أكلت أباك.
وخطر طفيلي على قوم يأكلون، وقد أغلقوا الباب دونه، فطلع عليهم من الجدار، وقال: منعتمونا من الأرض، جئناكم من السماء.
ودخل طفيلي من المدينة على الفضل بن يحيى، وبيده تفاحة، فألقاها إليه، وقال: حياك الله يا مدني، فلزمها وأكلها، فقال له الفضل: ويحك أتأكل التحيات؟ قال: إي والله والزاكيات الطيبات.
وقيل لبسرة الأحول: كم تأكل كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قيل: من مالك، قال: مكوك، قيل: ومن مال غيرك؟ قال: أخبز وأطرح.
وقال أبو القيظان: كان هلال بن أشقر التميمي أكولاً، فيزعمون أنه أكل جملاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما أراد أن ينام لم يصل إليها، فقالت له: كيف تصل إلي، وبيني وبينك جملان؟ وحكى أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر، فسقطت حدبته، فصار بأدرة، فدخل الناس عليه يهنئونه، فقال: الذي جاء شر من الذي ذهب.
وقال أبو حاتم: رمى رجل أعور بنشابة، فأصابت عينه الصحيحة، فقال: أمسينا، وأمسى الملك لله.
وقال الزبير بن بكار: جاءت امرأة إلى أبي تستعديه على زوجها، وتزعم أنه يصيب جاريتها، فأمر به فأحضر، فسأله عما ادعت، فقال: أصلح الله الأمير، هي سوداء وخادمها سوداء، وفي بصري ضعف، ويضرب الليل برواقة، فآخذ ما دنا مني.
وخطب رجل خطبة نكاح، وأعرابي حاضر، فقال: الحمد لله، أحمده، وأستعينه وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، فقال له الأعرابي: لا تقم الصلاة؛ فإني على غير وضوء.
وقال العوام بن حوشب: قال لي عيسى بن موسى: من أرضعتك؟ قلت: ما أرضعتني سوى أمي، قال: قد علمت أن ذلك الوجه القبيح لا يصبر عليه سوى أمه.
وكان رجل مخنث، قد تنسك، وتشبه بالحسن البصري، فشهد جنازة ووقف على القبر، وإلى جانبه رجل ظريف، فضحك، فقال له المخنث: ما أعددت لهذه الحفرة أبا فلان؟ قال: أمك ندفنها فيها الساعة.
ودخل أعرابي الحمام فخرج منه ريح، فقال له نبطي: جبحان الله، فقال له الأعرابي: يا ابن اللخناء، ريحي أفصح من تسبيحك.
وفي كتاب ابن الهندي أن ناسكاً كانت له جرة بسمن، فعلقها في سرير، ففكر يوماً، وهو مضطجع على السرير وبيده العكاز، فقال: أبيع الجرة بخمسة دراهم، فأشتري خمسة أعناز، فأولدهن في كل سنة مرتين حتى تبلغ ثمانين، فأبيعها، وأشتري بكل عشرة بقرة، ثم ينمى المال بيدي، فأشتري العبيد والإماء، ويولد لي ولد فأؤدبه، فإن عصاني ضربته لهذه العصا، وأشار بالعصا فأصاب الجرة فتكسرت، وانصب السمن على رأسه.
الباب الثالث في المضحكات الشعرية
ودخل يحيى بن أكثم على المأمون، وعنده عبادة يتجارى معه في مسائل الفقه والفرائض، فقال: يا أمير المؤمنين، لي عند القاضي حاجة، قال: وما هي؟ قال: يعلمني فرائض الصلب؛ فإني ما رأيت أعلم بها منه، فضحك المأمون وقال: انظر في حاجة عبادة، فقال: يا أمير المؤمنين، قد كبر عن التعليم، وقد قال الشاعر:
فإن من أدبته في الصبا ... كالعود يسقى الماء في غرسه
ولكن يبعث إلي بولده أعلمه فرائض الصلب خاصة، قال له المأمون: كيف رأيت الجواب يا عبادة.
وكان الربيع والياً باليمامة، فأتى بكلب قد عقر كلباً، فقاد له منه، فقال الشاعر:
شهدت بأن الله حق لقاؤه ... وأن الربيع العامري ربيع
أقبلت، والوطء خفي، كما ... ينساب من مكمنه الأرقم