وحضر أبو عقيل مجلس بعض العلماء، وهم يتجادلون في الفقه، فقال أبو عقيل: دعونا من الخوض فيما لا ينفعنا، أي شيء كان اسم حمار العزيز، وأي شيء كان اسم هدهد سليمتان عليه السلام؟ ورفع رجل في دين عليه إلى قاض، فأمر به إلى السجن لقلة ما بيده، فمر بصبيان يلعبون، فنظر إليهم، وقال لهم: والله لقد كنتم نعم الأصحاب، من يوم ما فارقتكم ما رأيت خيراً، فضحك غريمه وأطلقه.
وانكسر رجل، فجاء أصحابه إليه يزورونه، فقالوا: كيف حالك؟ فقال لهم: فيكم من انكسر؟ قالوا: لا، فقال: ما أقول لكم شيئاً.
وكان سائل يمشي ومعه ابن له صغير، فسمع امرأة تقول، وهي خلف جنازة: يذهبون بك والله إلى بيت ليس فيه غطاء ولا وطاء ولا غداء ولا عشاء، فقال ابن السائل: لبيتنا والله يذهبون به.
ومر رجل ومعه ابن له صغير برجل يقطع بمقص، وهو يعوج فمه، فقال له ابنه: يا أبت، هذا مقصنا الذي تلف لنا، فقال له أبوه: ومن أين علمت ذلك؟ قال: لأنه يعوج فمه، كما كنت تفعل.
وكان ابن شبانة يوماً ينشد، فأخرج ريحاً، فقال لقفاه: أما أن تسكتي حتى أتكلم، وإما أن تتكلمي.
وحضر مزيد مجلساً بالمدينة، وفيه قينة تغني، ووصيفة على رأسها واقفة، فتحركت القينة، فخرج منها ريح بصوت، فرفعت رأسها ولطمت الوصيفة، فلبث مزيد يسيراً، واستعمل خروج ريح بصوت، فرفع يده، ولطم الوصيفة، فقالت له المغنية: مالك تلطم جارتي؟ فقال: رأيت كل من يخرج ريحاً يلطمها.
وكان لرجل أم عجوز، فجرى يوماً حديث النسوان وتزويجهن، فقال رجل: كل امرأة تقدر أن تحمل البوقل إلى أعلى السطح ينبغي أن تتزوج، فقالت العجوز أنا والله أقدر أن أرفع الخابية بالماء، فقال لها ابنها: والله لو صعدت بها فوق منار الجامع ما زوجتك؟ وكان لبعض الكتاب أم عجوز، وكانت تختضب وتتصنع، فاشتكت، فجاءها الطبيب، فجعل يقول في خلال كلامه لما رأى من خضابها وزينتها: ما أحوجها إلى زوج، فقال لها ابنها: اسكت ويحك هي عجوز هرمت، فقالت العجوز: أنت أعلم أم الطبيب يا أحمق؟ واجتمع ثلاثة نفر، فقال أحدهم: علي الطعام، وقال الثاني: وعلي الشراب، فقال الثالث: وعلي لعنة الله إن فارقتكم، فضحكوا من قوله، ومروا به.
وقال بعضهم: أخذ الطائف على المدينة ليلاً رجلاً سكران، فقال: اسجنوه، فقال: أصلحك الله، لا تفعل، فإن علي يميناً بالطلاق ألا أبيت عن منزلي، فضحك منه وخلى سبيله.
ونظر ملاح إلى شيء على وجه الماء في البحر، فظن أنه قطيفة، فقال: أنا والله أحوج الناس إليها، فرمى بنفسه عليها، فإذا هي من دواب البحر، فتعلقت به، فصاح به الناس: اترك القطيفة وانج برأسك، فقال: قد تركتها، وهي ليست تتركني.
ودعا بعضهم قوماً إلى طعامه، فلما مدوا أيديهم إلى الطعام، هاله منظرهم، ولم يستطع الصبر، فقال: هكذا والله تقوم القيامة.
وقال أبو العيناء: كنا على مائدة بعض الرؤساء، فقدم إلينا جدي مشوي، فلما ضرب الناس فيه بأيديهم، قال صاحب البيت: أما أنتم مسلمون؟ فارفقوا به رحمكم الله، فإنه بهيمة.
وقال بعضهم: دعاني صديق لي، وكان بخيلاً، فقدم على المائدة جدي، فنحن نأكله، وشاة تصيح، قلت: اسمعوا هذه الثكلى تصيح، فقال رب البيت: وكيف لا تصيح، وقرة عينها بين أيديكم تمزقونه؟ وأكل قوم عند بخيل، فلما رآهم قد أمعنوا الأكل أراد أن يقطعهم فقال: ليس هذا أكل من أراد أن يتعشى.
وكان ببغداد رجل غني، فسأله ابنه يوماً أن يشتري له إجاصاً، فتقدم إلى جار له، فقال: أعطني إجاصة واحدة، فلما أخذها ناولها ابنه، وقال له: كل هذه، فإنك لو أكلت منها ألفاً، فطعمها كطعم هذه الواحدة.
وكان بها رجل آخر، وكان لا يرى إلا رث الثياب، فخرج يوماً من منزله، فلقيه رجل من الجند، قد أخذ رزقه، فلما رآه دفع إليه درهمين، فقال له رجل يعرفه: لا تعط هذا شيئاً؛ فإنه أغنى من الأمير، فالتفت إلى الرجل وقال: ما كان يضرك لو سكت؟ فقال الجندي: ويلك، لم لا تلبس، ولا تنفق على نفسك مما رزقك الله؟ قال: يمنعني خشية الفقر، قال: ويحك، تعجلت ما كنت تخاف.