ولما حمل أبو إسحاق إلى المتوكل وأدخل عليه، قال المتوكل لابن حمدون: اعبث به، فقال له ابن حمدون: متى تعلمت العبارة؟ قال: أنا معبر قبل أن تكون أنت ملهياً، قال: ما تقول في رؤيا رأيتها؟ قال: وما هي؟ قال: رأيت كأن أمير المؤمنين حملني على فرس أشهب كله، إلا ذنبه، فإنه كان أخضر، قال: صدقت رؤياك، فإن أمير المؤمنين يأمر أن تدخل في قفاك فجلة، يغيب أصلها الأبيض، ويبقى الأخضر منها، فضحك المتوكل، وقال: صدقت رؤياك، هاتوا فجلة، فقال: أنت يا أمير المؤمنين أمرتني، قال: وأنت رأيت الرؤيا، قبل أن آمرك، فلم يبرح حتى فعل به ذلك.
وقعد المتوكل يوماً يشرب، فطرب عبادة من صول لبعض المغنين، فقام ورقص، أحسن رقص، فسر المتوكل برقصه، وقرب عبادة من مقعده، فلما جلس ضرب المتوكل بيده على قفا عبادة فأخرج ريحاً، فقال: ويلك ما هذا؟ فقال: يا سيدي أيجوز لمثلك أن ينقر على قوم فلا يكلمونه؟ وأتي علي بن موسى الوزير ببعض العمال، وقد خرج عليه مال كثير، فطلب به وحبس، ثم أخرج يوماً ليطلب له ذلك، فإذا هو بامرأة قد أخذت من قوم وهي تذكر أنهم استكرهوها في نفسها، فقال لها: طوبى لك، أنت طلبت بما تقدرين عليه، وأنا أطلب بما لا أقدر عليه، فبلغ ذلك علي بن عيسى، فضحك عليه، وحط عنه نصف ما عليه.
وكان رجل من العمال يطلب بمال، فأحضر بين يدي بعض الولاة، وأقيم على رأسه عونان، وقيل لهما: انتفا لحيته، فقال الرجل للوالي: ولم تفعل هذا بي؟ قال: حتى تؤدي ما عليك، قال: نعم، قال: وخراج أهل بيتك، قال: نعم، قال: وخراج سكان موضعك، فرفع رأسه إلى العونين، وقال: انتفا على بركة الله، فضحك وخلى سبيله.
ومات بواسط رجل من المياسير في أيام اليزيد، فأحضر ابن الميت، وقال له: ما ترك أبوك من المال؟ قال: كذا وكذا، وخلف من الورثة الوزير أعزه الله، وأنا، فضحك المتوكل، وأمره ألا يتعرض له.
وكان بعضهم في سفر، فوصل إليه كتاب من داره بموت أحد أولاده، فقال: لا إله إلا الله، ولد ونحن غائبون، ومات ونحن غائبون، فقال له مضحك: نعم، وعمل وأنتم غائبون.
وكان بعض الملوك فيه ضر وشدة، فلا يقدر أحد أن يبتدأه بكلام، فبينما هو جالس يوماً مع ندمائه في براح، إذا بعارض مطر شديد، فلم يقم، ولم يتجسر أحد أن يقول له شيئاً، والمطر في زيادة، وكان بينهم طيفور فيه فاكهة، فأخذه رجل من الجمع، وفرغ ما فيه، وألقاه على رأسه، وقال للملك: اجلس ما شئت، فضحك من فعله، وقام من فوره.
ولقي بعض الأمراء أسود في بعض طرق نزهته، فأمر بقتله، فقال الأسود: ما ذنبي؟ فقال: إني تشاءمت برؤيتك، فقال له الأسود: فمن تشاءم منا بصاحبه أكثر أنا أو أنت؟ فضحك من قوله، وخلى سبيله.
وعرض عمرو بن الليث عساكره، فرأى فارساً، تحته دابة مهزولة، فقال: لعن الله هؤلاء، يأخذون الدراهم، فينتفعون بها، ويستمتعون بفقاح نسائهم، فقال الفارس: أيها الأمير، لو رأيت امرأتي لعلمت أنها أهزل من كفل دابتي، فضحك عمرو، وأمر له بطعام وقال له: سمن امرأتك، وكفل دابتك.
وخرج المعتصم إلى بعض متنزهاته، فظهر له أسد، فقال لرجل من فرسانه أعجبه قوامه وسلاحه، وتمام خلقته: يا رجل، أفيك خير؟ فقال بعجلة: لا يا أمير المؤمنين، فضحك المعتصم، وقال: قبحك الله، وقبح طلعتك.
وأراد أعمى أن يتزوج امرأة، فحضرا مجلس القاضي، ليشهد لهما، فقال لها القاضي: اكشفي عن وجهك، فكشفت، فأعجبته، فقال للأعمى: كم أمهرتها؟ قال: أربعمائة درهم، فقال القاضي: زدها؛ فإنها تستحق أكثر، فقال الأعمى: هذا ما عندي، فإن كان عند القاضي زيادة، فهو أولى بها.
ورأت طفلة عروساً يلعب مع عروسه، فمضت لأبيها، وقالت له: اشتر لي عروساً ألعب معه.
وتعشى أبو سالم القاص طفيشلاً وشرب عليه نبيذاً حاراً، وبكر ليقص، فدخل المسجد، وأقيمت الصلاة، وكان الإمام شيخاً كبيراً، فلما فرغ من الصلاة جلس في المحراب، فقام أبو سالم إلى جانبه يعظ الناس، فبينما هو في قصصه إذ تحركت بطنه، فقال: قولوا: لا إله إلا الله، فارتفعت الأصوات التهليل، وخرجت منه ريح علم بها الإمام، وقال: يا قوم، لا تقولوا شيئاً، فإنه يريد أن يسلح علي، فضحك الناس، وانصرف أبو سالم.