وقال رجل لأحمد بن أبي خالد، وكان فظاً غليظاً، لقد أعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لئن لم تخرج مما قلته لأعاقبك، فقال: قال الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وأنت فظ غليظ القلب، ولا يبرحون من حولك.
وقال أعمى: ارحموا ذا زمانتين، قيل: وما زمانتك؟ قال: أعمى، قبيح الصوت.
وسأل رجل رجلاً فرده وشتمه، فقال له السائل: تردني وتشتمني؟ قال: كرهت أن أردك غير مأجور.
وقال المتوكل لأبي العيناء: كنت أشتهي منادمتك، لولا أنك ضرير البصر، قال: إن إعفاني أمير المؤمنين من قراءة نفش النصوص، ورؤية الأهلة، فأنا أصلح للمنادمة.
وقيل لأبي العيناء: ما بقي في زماننا هذا أحد ينبغي أن يلقى قال: إلا في بئر.
وتزوج معن نائحة، فسمعها تقول: اللهم وسع علينا في الرزق، فقال: يا فاعلة، إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك، إن كان فرح دعوني، وإن كان حزن دعوك، فهل ثم ثالث؟ واعتل ضرس لرجل، ففتح فاه للطبيب، فشم رائحة قبيحة، فقال: ليس هذا من عملي، ولكن من شغل الكنافين.
وقال رجل لطبيب؛ خرج لي خراج في أقبح موضع، قال: كذبت، هذا وجهك لست أرى فيه شيئاً.
وقال يونس بن محمد: مر بنا سكران، فسلم علينا، فلم نرد عليه سلاماً، وكنا جماعة، فقعد يبول وسطنا، فقلنا له: ما تصنع؟ فقال: ما ظننت أن هنا أحداً.
ولما قتل الحسين بن علي جعل رجل يسلب بنته حليها ويبكي، فقالت له: ما يبكيك؟ قال: إني أسلبك، قالت: فدعه، قال: يأخذه غيري.
وقال أبو علقمة لحجام دعاه يحجمه: اتق غسل المحاجم، وشد قصب الملازم، وليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزاً، ولا تكره آيباً، ولا تدعن آتياً، فوضع الحجام محاجمه في منديله، وقال: ابعث إلى الأصمعي يحجمك.
ودخل أبو علقمة على طبيب، فقال: إني أجد في بطني غمغمة وقرقرة، فقال له: أما الغمغمة فلا أعرفها، وأما القرقرة فضراط لم ينضج.
وقال رجل لآخر، إن لطمتك بلغتك المدينة، فقال: أحب أن تردفها بأخرى، عسى الله أن يرزقني حجة على يديك.
وقيل لأبي عبيد: أيما أفضل البصرة أم الكوفة؟ فقال: لو دلني رجل على البصرة لوهبت له الكوفة مكافأة على فعله.
وكان بعض الملوك قد أمر أهل مملكته أن يجعلوا السعي والانتشار بالليل والسكون بالنهار، فأخذ رجل بعد العصر، فأتي به للملك، فقال له: أما سمعت ندائي؟ قال: بلى، ولكن كانت لي حاجة مؤكدة، فأردت أن أبكر لها، فضحك الملك، وخلى سبيله.
وقيل لرجل صلى صلاة خفيفة: ما هذه الصلاة؟ فقال: صلاة ما فيها رياء ولا تصنع.
وقيل لبعضهم: هل يولد لابن تسعين؟ قال: نعم، إذا كان له جار ابن ثلاثين.
وسمع رجل من الظرفاء رجلاً يقول: كان أبي لا يدخل الزقاق إلا قام له الناس، فقال: صدقت، لأنه كان على ظهره حمل شوك.
وساق رجل قمحاً إلى طحان، فامتنع من طحنه، فقال له: اطحنه وإلا دعوت عليك، وعلى دوابك، فإني مستجاب الدعوة، فقال، فادع الله على قمحك، يرجع لك دقيقاً، فهو أنفع لك، وأسلم لدينك.
ودخل أبو العيناء على أبي الصقر، فقال له: ما أخرك عنا؟ فقال: سرق حماري، قال: وكيف سرق؟ قال: لم أكن مع اللصوص فأخبرك، قال: فلم لم تأتني على غيره؟ قال: قعد بي عن الشراء قلة يساري، وكرهت ذل المكاري، ومنة العواري.
ووقف أبو العيناء يوماً إلى صاعد بن مخلد، فقيل له: هو مشغول يصلي، فقال: لكل جديد لذة، وكان صاعد قبل أن يلي الوزارة نصرانياً.
وقيل لأبي العيناء: ما تقول في ابن مكرم والعباس في رستم، فقال: هما الخمر والميسر، إثمهما أكبر من نفعهما.
وقال أبو العيناء: ذكرت لبعض القيان فأحبتني على السماع، فلما رأتني استقبحتني، فقلت:
وشاطرة لما رأتني تنكرت ... وقالت: قبيح أحول، ما له جسم
فإن تنكري مني احولالاً، فإنني ... أديب أريب، لا عيي، ولا فدم
فقالت: إني لم أدرك أن أوليك على دير العراق.
وقال محمد بن يزيد المهلبي: كنت يوماً عند المنتصر، والجماز حاضر، فقال لي المنتصر: سله، هل بقي فيه للنساء شيء؟ فسألته يوماً: نعم، أقود عليهن.
وقال الفتح للجماز: قد كلمت أمير المؤمنين يوليك على الكلاب والقرود قال: أفلست سامعاً مطيعاً، فضحك المتوكل، وأمر له بعشرة آلاف درهم.