نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 61
وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها، وسكن قلب جدها الضرير من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقا هذه الأحجار التي كومتها لتطمئن لها نفس الشيخ، إلا أنه قد ترك لهم معها إيمانا بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال، ورَّثهم يقينًا وثقة به لا حد لهما، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور، ولا تلتفت إلى سفاسفها، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عزَّ أن يتكرر، وقلَّ أن يوجد نظيره.
لقد ضربت أسماء -رضي الله عنها- بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلا هنَّ في أمسِّ الحاجة إلى الاقتداء به، والنسج على منواله، وظلت أسماء مع أخواتها في مكة لا تشكو ضيقا، ولا تظهر حاجة، حتى بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسودة بنت زمعة زوجه، وأسامة بن زيد، وأمه بركة المكناة بأم أيمن، وخرج معهما عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، حتى قدموا المدينة مصطحبين [1].
5 - دور عامر بن فهيرة مولى أبي بكر - رضي الله عنه -:
من العادة عند كثير من الناس إهمال الخادم وقلة الاكتراث بأمره، لكن الدعاة الربانيين لا يفعلون ذلك، إنهم يبذلون جهدهم لهداية من يلاقونه، لذا أدَّب الصديق - رضي الله عنه - عامر بن فهيرة مولاه وعلمه، فأضحى عامر جاهزًا لفداء الإسلام وخدمة الدين.
وقد رسم له سيدنا أبو بكر - رضي الله عنه - دورًا هامًا في الهجرة، فكان يرعى الغنم مع رعيان مكة، لكن لا يلفت الأنظار لشيء، حتى إذا أمسى أراح بغنم سيدنا أبي بكر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحتلبا وذبحا، ثم يكمل عامر دور عبد الله بن أبي بكر حين يغدو من عنده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبه عائدًا إلى مكة، فيتتبع آثار عبد الله ليعفي عليها، مما يعد ذكاء وفطنة في الإعداد لنجاح الهجرة [2].
وإنه لدرس عظيم يستفاد من الصديق لكي يهتم المسلمون بالخدم الذين يأتونهم من مشارق الدنيا ومغاربها، ويعاملونهم على كونهم بَشَرًا أولاً، ثم يعلمونهم الإسلام، [1] تاريخ الطبري: 2/ 10، الهجرة النبوية المباركة: ص 128. [2] تاريخ الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين: ص 115.
نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 61