نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 154
أ- حلبه للأغنام, والعجوز العمياء، وزيارة أم أيمن:
كان قبل الخلافة يحلب للحي فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا «أغنام» دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلُق كنت عليه، فكان يحلب لهن، وكن إذا أتينه بأغنامهن يقول: أنضح أم ألبد؟ فإن قالت: انضح، باعد الإناء من الضرع حتى تشتد الرغوة، وإن قالت: ألبد، أدناه منه حتى لا تكون له رغوة، فمكث كذلك بالسُّنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة [1].
ففي هذا الخبر بيان شيء من أخلاق أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فهذا تواضع كبير من رجل كبير؛ كبير في سنه، وكبير في منزلته وجاهه، حيث كان خليفة المسلمين، وكان حريصًا على أن لا تغير الخلافة شيئًا من معاملته للناس، وإن كان ذلك سيأخذ منه وقتًا هو بحاجة إليه. كما أن هذا العمل يدلنا على مقدار تقدير الصحابة -رضي الله عنهم- لأعمال البر والإحسان، وإن كلفتهم الجهد والوقت [2].
هذا أبو بكر - رضي الله عنه - غلب بعزيمته الصادقة وثباته العجيب الجزيرة العربية، وأخضعها لدين الله، ثم بعث بها فقاتلت تحت ألويته الدولتين الكبريين على وجه الأرض وغلبت عليها. أبو بكر .. يحلب لجواري الحي أغنامهن، ويقول: أرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه، وليس الذي دخل فيه بالأمر الهين، بل هو خلافة رسول الله، وسيادة العرب، وقيادة الجيوش التي ذهبت لتقلع من الأرض الجبروت الفارسي، والعظمة الرومانية، وتنشئ مكانهما صرح العدل، والعلم والحضارة، ثم يرجو ألا يغيره هذا كله، ولا يمنعه من حلب أغنام الحي [3].
إن من ثمار الإيمان بالله تعالى أخلاقًا حميدة، منها خلق التواضع الذي تجسد في شخصية الصديق في هذا الموقف وفي غيره من المواقف، وكان عندما يسقط خطام ناقته ينزل ليأخذه، فيقال له: لو أمرتنا أن نناولكه، فيقول: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألا نسأل الناس شيئًا. [4] لقد ترك لنا الصديق مثالاً حيًّا في فهم وتطبيق خلق التواضع المستمد [1] ابن سعد في الطبقات: 3/ 186، وله شواهد، فإسناده حسن لغيره. [2] التاريخ الإسلامي: 19/ 8. [3] أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، طنطاوي: 186. [4] التاريخ الإسلامي، محمود شاكر: 8.
نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 154