نام کتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 645
الجوانب فأسهم بذلك في تشويه صورته وصورة الحكم الأموي، وقد حرص بعض المولعين بشخصية الحجّاج إخفاء هذا الجانب المشوه من حياته، والدراسة الواعية المنصفة تأبى هذا المنهج، وما من شك في أنه ورد الكثير من المبالغات عن انتهاكات الحجاج لحرمات الدين وكثير منها لا يصح ودخل الدس من أعداء الحجّاج وبني أمية في صياغة كثير من هذه المبالغات، لذا فقد استبعدت [1] النقل والاعتماد في هذا الأمر على الكتب التي اشتهر عن أصحابها التهاون في إيراد الروايات دون تمحيص ولاسيما كتب الأدب، كالعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني للأصفهاني، أو كتب الفرق المغالية في عداوتها لبني أمية كالشيعة، وحاولت [2] النقل والاعتماد على كتب السنة المشهورة بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة وما يخدمها من روايات، وكذلك على الكتب المعتبرة التي اشتهر عن أصحابها التحري والدقة كالذهبي في سيره وتاريخه [3]. ويأتي في مقدمة تجاوزات الحجّاج الشرعية إسرافه في القتل وأمره به بأدنى شبهة حيث كان الحجّاج يرى وجوب الطاعة العمياء من الرعية له، وأن مخالفة أمره ـ في أي شأن كان صغر أم كبر ـ تبرر له القتل، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن عاصم قال: سمعت الحجّاج يقول: اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالاً [4]، وقال ابن كثير معلقاً على بعض تجاوزات الحجّاج مما يبين سبب استهانته بالقتل: .. فإن الحجّاج كان عثمانياً أموياً، يميل إليهم ميلاً عظيماً، ويرى خلافهم كفر، ويستحل بذلك الدماء ولا تأخذه في ذلك لومة لائم وقال في موضع آخر: أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء وكفى به عقوبة عند الله [5] عز وجل، بسبب هذا المعتقد الذي استقر في نفس الحجّاج استهان بالقتل واشتهر إسرافه فيه لمخالفي أوامره صغرت أم كبرت، ومع ما ورد من مبالغات في الإحصاءات التي ذكرت عدد قتلى الحجّاج، فما من شك في تعديه الحدود المشروعة في القتل، ويؤيد ذلك ما صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة تصف الحجّاج بأنه مبير، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت للحجّاج بعد قتله لابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:: إما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه [6]، وقد أنكر العلماء على الحجّاج هذا الإسراف في القتل، فروي عن الإمام عبد الرحمن بن أبي أنعم أنه قال للحجّاج: لا تسرف في القتل إنه كان [1] أثر العلماء في الحياة السياسية صـ565. [2] المصدر نفسه صـ565. [3] المصدر نفسه صـ565. [4] سنن أبي داود (4/ 210) صحيح الإسناد. [5] البداية والنهاية (12/ 507 إلى 554). [6] مسلم، ك فضائل الصحابة (4/ 1971).
نام کتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 645