نام کتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 77
ح ـ موقف الشريعة الإسلامية من الياسا:
إن المتأمل في نصوص الياسا يلاحظ أن بعضها يوافق الشريعة الإسلامية الغراء، ولكن أكثرها مخالف لها، فالشريعة الإسلامية تقوم على احترام حقوق الفرد، وتمنع الطغيان والاستبداد وتدعو إلى السعي والكفاح لينتفع الناس بتجاربه، ويجد ثمرة عمله، أما الياسا، فإنها تقوم على أسس جائرة ظالمة، تلغي شخصية الفرد، وتحجر على حريته، وتكبله بقيود الذل والعبودية، وإذا كان المغول يعتبرون الكذب جريمة بنص القانون، فإنهم أحلوه لأنفسهم، لا سيما في وقت الحروب، وذلك على سبيل الخديعة والتفرقة بين المتحاربين من الأعداء ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المغول تحللوا من المواثيق ونكثوا بالعهود لما ركب في نفوسهم من اللؤم والغدر والميل إلى الانتقام، فمثلاً كان الترك ـ من بين سائر القوميات ـ أقرب إلى المغول، بل كانت منهم كتائب بجيش جنكيز خان، وكانت التقاليد البدوية في آسيا الوسطى، تزيد الترك قرباً من المغول، ورغم هذا كله لم يحاول المغول الاتحاد مع الترك، وإشراكهم معهم في الفتح ولم تكن المحادثات التي يجرونها أحياناً مع الترك إلا ضرباً من الخدع الحربية المألوفة عندهم، فقد كانوا يحاولون بتأكيداتهم الكاذبة لأواصر الصداقة ـ أن يفرقوا أعداءهم ثم يجهزوا عليهم واحداً فواحداً، ونحن نعلم أن جنكيز خان أكد صداقته لأم السلطان محمد خوارزشاه مستغلاً الجفوة التي كانت بينها وبين ابنها، وذلك لكي يحول بينها وبين التدخل في الحرب، إذ كانت تحت إمرتها عدد من الكتائب ومع هذا فقد كان مصيرها الأسر والنفي، حيث ماتت في أرض الغربة ذليلة مهانة [1]. وفي غرب آسيا لعب حفيد جنكيز خان "هولاكو" نفس الدور، ففي وقت ما، كان يجري المحادثات مع الإسماعيلية ومع الخليفة العباسي، ولكنه ما لبث بعد ذلك أن استأصل شأفتهم جميعاً.
ـ تفاني الفرد في سبيل المجموع: وإذا كان المغول ينادون بالتعاون، فإنما يقصدون التعاون الذي يقوم على تفاني الفرد في سبيل المجموع، وعدم الاعتراف بأي حق للمرء في حريته الشخصية، فنصت الياسا على ألا ينفرد أحد بكل شيء وغيره يراه، بل عليه أن يشركه معه في أكله، ولا يجوز أن يتمتع أحد بالشبع دون أصحابه، بل يقسم الطعام بالتساوي، ومن مر بقوم وهم يأكلون فله أن ينزل ويؤاكلهم من غير إذنهم وليس لأحد منعه، فمثل هذه [1] المغول للصياد صـ346.
نام کتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 77