نام کتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 217
فارتفعت رايات العصيان الداخلي وكان بإمكانهم أن يشغلوا الأجناس المختلفة التي ضمتها الدولة في هذه الحروب الجهادية المستمرة ضد الغزاة وضد الوثنيات المختلفة، لكنهم لم يفعلوا فتحركت النعرات القومية الجاهلية لتفتت الدولة وتقسم جسمها تحت رايات مختلفة ليس لها بالإسلام أو بالجهاد صلة، وفي سنة 656هـ (1258م) كان هولاكو ـ حفيد جنكيز خان ـ يدمر الذين اتجهوا إلى كل السبل إلا سبيل الجهاد، وحاولوا العلاج بكل الوسائل إلا الوسيلة الإسلامية الخالدة القوية، وقد هاجم هولاكو بغداد وهد أسوارها وأعمل المنجنيق فيها، وحصد بغداد، حتى لم يعد ممكناً الإقامة فيها لشدة روائحها المنفرة، وعندما خرج الخليفة المستعصم إليه مستسلماً بصحبة ثلاثمائة من اصحابه وقضاته دون شرط، أمر هولاكو بقتلهم جميعاً، وطويت صفحة الخلافة العباسية، ذلك أن أسلوب الأحلام الرومانتيكية الساذجة ليس وسيلة البقاء أو تشييد
الحضارات، فالذين لا يملكون إرادة الهجوم، يفقدون القدرة على الدفاع [1]، لقد عطلت الدولة العباسية هذه الفريضة وتخلت عن أهدافها والتي من أهمها:
أ ـ إقامة حكم الله ونظام الإسلام في الأرض قال تعالى: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً" (النساء، الآية: 105).
ب ـ دفع عدوان الكافرين قال تعالى: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (النساء، الآية: 74).
جـ ـ رد اعتداء الكفار في ديار المسلمين: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة، الآية: 190).
وغير ذلك من الأهداف، فكان لإهمال فريضة الجهاد وعدم الاهتمام بأهدافه من أسباب زوال الدولة العباسية.
3 ـ إنعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي:
بدأ الضعف يتسرب إلى جسم الدولة العباسية المترامية الأطراف في العقود الأخيرة من القرن الثاني للهجرة، الثامن الميلادي، عندما بدأت بعض الولايات البعيدة عن مركز الدولة في بغداد تنفصل مكونة دولاً مستقلة وتعجز الخلافة عن إعادتها للسيطرة المركزية فقد [1] دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية صـ127.
نام کتاب : المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 217