نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 141
وأحرى من أعد جواباً لتلك المسألة، فإنّه الله الذي تكاد السماوات يتفطرن منه، في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع أو مقنع, ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب، ويعظم الكرب, ويشيب الصغير والكبير ويُعزَل الملك والوزير {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}. وقد استجلبت لك الدعاء وخلّدت لك الثناء مع براءتي من التهمة، فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية, ولا بيني وبين أحد خصومه، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة [1]. فلما سمع الوزير أحمد نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديداً، وأمر له بعد الصلاة بمائة دينار، فأبى أن يأخذها الخطيب. وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين الخليفة، ومن يكون في ضيافة الخليفة يقبح أن يأخذ عطاء غيره. فقال له الوزير: فضّها على الفقراء. فأجابه الشيخ الخطيب: الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي. ولم يأخذ شيئاً ([2])،
وبعد انتهاء الصلاة، اجتمع الفقهاء بحضرة السلطان محمد بن ملكشاه فقال لهم: هذا يوم قد انفردت فيه مع الله تعالى، فخلّوا بيني وبين المكان, فصعدوا إلى أعاليه، فأمر غلمانه بغلق الأبواب وألا يمكنّوا الأمراء من الدخول إليه، وقام يصلى ويدعو ويخشع وأعطاهم خمسمائة دينار، وقال: اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي [3].
2 - نصيحة الإمام الغزالي لمحمد بن ملكشاه: عندما علم الإمام أبو حامد الغزالي أن السلطان محمد بن ملكشاه تولى الحكم، أرسل له كتاباً يخاطبه فيه قائلاً: اعلم يا سلطان العالم أن بني آدم طائفتان: طائفة غفلاء نظروا إلى مشاهد حال الدنيا، وتمسكوا بتأميل العمر الطويل ولم يتفكروا في النفس الأخير، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخير نصب أعينهم لينظروا إلى ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا، ويفارقونها وإيمانهم سالم, وما الذي ينزل من الدنيا في قبورهم وما الذي يتركون لأعاديهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله [4]. ولا شك أنها نصيحة غالية ودرس عظيم فقد نصح الإمام الغزالي محمد بن ملكشاه بعدم الغفلة والاغترار بمباهج الدنيا ونسيان الآخرة والأعمال الصالحة التي تنفع صاحبها في آخرته ظناً منه بامتداد العمر، موضحاً له أنه من العقل ألا يتجاهل الإنسان أن الأجل قريب وأنه لا بد أن يسرع بعمل الأعمال الصالحة ويؤدي ما عليه لله تعالى حتى يخرج من الدنيا كامل الإيمان، فالإنسان لن يأخذ معه إلى قبره إلا العمل الصالح، ثم ينصحه [1] المنتظم (9/ 155، 73 - 174) , تاريخ الأعظمية، ص 261. [2] المنتظم, نقلاً عن: تاريخ الأعظمية، ص 261. [3] المنتظم, نقلاً عن: تاريخ الأعظمية، ص 261. [4] وفيات الأعيان (5/ 72، 73).
نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 141