نام کتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 597
مشيئة الله في خَلْقه، ولا رادَّ لحكمه فلا يتسخَّط مولانا بشيء من قَدره؛ فلأن يجري القضاء وهو راضي مأجور خيرٌ من أن يجري وهو ساخط موزور، فيعطي نار الشَّدة أعاذه الله منها - ولا يجُد راحة الثَّواب منها - ولا يجد راحة الثَّواب، وفَّر الله حظه منه من شكا بَثَّه وحزنه إلى الله شكا إلى مُشتكى واستغاث بقادر، ومن دعا ربَّه دُعاء خفيّاً استجاب له استجابة ظاهرة، فلتكن شكوى مولانا إلى الله خفيَّة عَنَّا ولا يقطع الظهور التي لا تشتد إلا به ولا يضيق صدوراً لا تنفرج إلا منه، وما شّرد الكرى، وأطال على الأفكار ليل السرى إلا ضائقة القوت بعكا ... فقد علم مولانا بالمباشرة أنه لا يدبر الدّهر إلا بربَّ الدهر، ولا ينفذ الأمر إلا بصاحب الأمر، وأنَّه لا يقل الهم إن كَثُرَ الفكر:
قد قلت للرجل المُقَسَّم أمره
فوَّض إليه تنم قرير العين (1)
كل مقترح يُجاب إليه إلا ثغراً يصير نصرانياً بعد أن أسلم أو بلد يخرس فيه المنبر بعد أن تكلم. يا مولانا هذه الليالي اللَتي رابطت فيها والناس كارهون، وسَهِرْت فيها والعيون هاجعة وهذه الأيام التي يُنادى فيها: يا خيل الله أركبي، وهذه الساعات التي تزرع الشَّيب في الرؤوس، وهذه الغمراتُ التي تفيض فيها الصدور بمائها بل بنارها، هي نعمة الله عليك وغراسُك في الجنة، ومجملات محضرك، "يوم تجد كلُّ نفس ما عملت من خير محضراً" (آل عمران، آية 30)، وهي مُجَوَّزاتك الصراط، وهي مثقلات الميزان، وهي درجات الرضوان [2]، فاشكر الله عليها كما تشكره على الفتوحات الجليلة وأعلم أن مثوبة الصبر فوق مثوبة الشكر، ومن ربط جأش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما بليتُ أيهما ركبتُ وبهذه العزائم سبقونا وتركونا لا نطمع بالغُبار وامتدت خطاهم ونعوذ بالله من العثار، ما استعمل الله في القيام بالحقَّ إلا خير الخلق، وقد عرف ما جرى في سير الأوّلين وفي أنباء النَّبيين، وأن الله تعالى حَرَّض نبيه صلى الله عليه وسلم أن يهتدي بُهداهم، وأن يسلك سبيلهم ويقتدي بأولي العزم منهم، وَما تغلو الجنَّة بثمن، وما ابتلى الله سبحانه من عباده إلا من يعلم أنه يصبر، وأمور الدنيا ينسخ بعضها بعضاً وكأنَّ ما قد كان لم يكن، ويذهب التعب ويبقى الأجر وإنما يقظاتُ العينِ كالحُلُم أهم الوصايا أن لا يحمل المولى هما يُضعفُ به جسْمَه ويُغيِرُّ مزاجه والأمة بنيان وهو - أبقاه الله - قاعدته والله يثبَّتُ تلك القاعدة في نصرة الحق. ومما يستحسن من وصايا الفرس، إن نزل بك ما فيه حيلة فلا تعجز، وإن نزل بك ما ليس فيه حيلة - والعياذ بالله - فلا تجزع وربَّ واقع في أمر لو اشتغل عن حمل الهمّ به
(1) كتاب الروضتين (4/ 187). [2] المصدر نفسه (4/ 187).
نام کتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 597