وبعد أن صار ضابطاً في الجيش، كان حديث الوحدة يرافقه صباح مساء .. وكان الضباط يتقنونه كما يتقنون واجباتهم العسكرية. " وكان في الجيش بعثة عسكرية بريطانية، يعمل أفرادها مفتّشين ومدرّبين ظاهرياً، ولكنهم كانوا في الواقع يرصدون حركات الضباط وسكناتهم، ويعدّون عليهم أنفاسهم " [1]، لأن الضباط كانوا وطنيين، وكانوا وحدويين، وظهر هذا في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 م التي بادر الإنكليز إلى القضاء عليها بسرعة وقسوة وشدّة وعنف، ووقوف الضباط الوطنيين بشجاعة وبسالة، وفي حرب فلسطين عام 1948 م فقد لقّن الجيش العراقي - وكان الكاتب مشاركاً فيها - لقّن اليهود دروساً قاسية في معارك (جنين) وسواها.
ولو كان أمر الجيش العراقي بيده، لقدّم لفلسطين أضعاف ما قدّم ..
وظهرت وحدوية الشعب والجيش إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م وعندما أُعلنت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 م، وحزن الضباط العراقيون لانفصال سورية عن مصر عام 1961 م، وظهرت وحدوية الضباط أيام عبد الكريم قاسم، فقد قاوم قسم كبير منهم انحراف قاسم، وكان يجمع صفوفهم حبّهم للوحدة، وكرههم لأعدائها، وعندما قام عبد السلام عارف بثورته ضد قاسم، ورفع شعار الوحدة، أيّده الضباط والشعب " ومع ذلك، بقيت الوحدة في متاهات النزاعات والأهواء، تقاومها المصالح الشخصية، والرغبات الأنانية، دون أن يكون للمصلحة العربية العليا أيُّ دخل في الموضوع " [2].
" واليوم .. تحتم عليهم ضرورة البقاء أمة ذات سيادة ومكانة، أن [1] دراسات في الوحدة العسكرية العربية: ص 12. [2] المصدر السابق: ص 20.