النوبة المباركة، دولة السلطان ألب أرسلان في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، فبقي عشر سنين في آخر عمره مرفها محترما، مطاعا معظما، وأكثر صفوه في آخر أيامه التي شاهدناه فيها أخيرا إلى أن تقرأ عليه كتبه وتصانيفه، والأحاديث المسموعة له، وما يؤول إلى نصرة المذهب.
بلغ المنتمون إليه آلافا فأملوا بذكره وتصانيفه أطرافا.
قال ابن السمعانيّ: سمعت أبا بشر مصعب بن عبد الرزاق بن مصعب المصعبيّ [1] بمرو، ويقول: حضر الأستاذ أبو القاسم مجلس بعض الأئمة الكبار، وكان قاضيا بمرو، وأظنه قال: القاضي علي الدهقان، وقت قدومه علينا، فلما دخل الأستاذ قام القاضي على رأس السرير، وأخذ مخدة كان يستند عليها على السرير، وقال لبعض من كان قاعدا على درجة المنبر:
احملها إلى الأستاذ الإمام ليقعد عليها. ثم قال: أيها الناس إني حججت سنة من السنين، وكان قد اتفق أن حج تلك السنة هذا الإمام الكبير، وأشار إلى الأستاذ، وكان يقال لتلك السنة سنة القضاة، وكان حج تلك السنة أربعمائة نفس من قضاة المسلمين وأئمتهم من أقطار البلدان وأقاصي الأرض، فأرادوا أن يتكلم واحد منهم في حرم الله سبحانه وتعالى فاتفق الكلّ على الأستاذ أبي القاسم، فتكلم هو باتفاق منهم.
وبلغنا أنه مرض للأستاذ أبي القاسم ولد مرضا شديدا، بحيث أيس منه، فشق ذلك على الأستاذ، فرأى الحق سبحانه وتعالى في المنام، فشكى إليه، فقال له الحق سبحانه وتعالى: أجمع آيات الشفاء واقرأها عليه، أو اكتبها في إناء واجعله فيه مشروبا واسقه إيّاه، ففعل ذلك، فعوفي الولد. [1] في الأصل: «المصيصي»، والمثبت في: طبقات الشافعية للسبكي.