المقدّم في الأصول، حتى حصلها وبرع فيها، وصار من أوجه تلامذته، وأشدّهم تحقيقا وضبطا، وقرأ عليه أصول الفقه، وفرغ منه، ثم بعد وفاة الأستاذ أبي بكر اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وقعد يسمع جميع دروسه، وأتى عليه أيام، فقال له الأستاذ: هذا العلم لا يحصل بالسماع. وما توهم فيه ضبط ما يسمع، فأعاد عنده ما سمعه منه، وقرره أحسن تقرير من غير إخلال بشيء، فتعجب منه وعرف محله فأكرمه، وقال:
ما كنت أدري انك بلغت هذا المحل، فلست تحتاج إلى درسي، يكفيك أن تطالع مصنفاتي وتنظر في طريقي، وأن أشكل عليك شيء طالعتني به، ففعل ذلك، وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك.
ثم نظر بعد ذلك في كتب القاضي أبي بكر بن الطيّب، وهو مع ذلك يحضر مجلس الأستاذ أبي علي إلى أن اختاره لكريمته، فزوجها منه.
وبعد وفاة الأستاذ عاشر أبا عبد الرحمن السلمي، إلى أن صار أستاذ خراسان وأخذ في التصنيف فصنف «التفسير الكبير» قبل العشر وأربعمائة، ورتب المجالس وخرج إلى الحج في رفقة، فيها أبو محمد الجويني، والشيخ أحمد البيهقي، وجماعة من المشاهير، فسمع معهم الحديث ببغداد، والحجاز من مشايخ عصره.
وكان في علم الفروسية واستعمال السلاح وما يتعلق به من أفراد العصر، وله في ذلك الفن دقائق وعلوم انفرد بها.
وأما المجالس في التذكير والقعود فيما بين المريدين وأسئلتهم عن الوقائع وخوصه في الأجوبة، وجريان الأحوال العجيبة، فكلها منه وإليه.
أجمع أهل عصره على أنه عديم النظير فيها، غير مشارك في أساليب الكلام على المسائل؛ وتطييب القلوب؛ والإشارات اللطيفة المستنبطة من