responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 435
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: هَلْ يَكُونُ هَذَا غَزْوًا، فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الْغَزْوِ وَرَضِيَ عَنْهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي اخْتَلَفُوا، فَذَهَبَ الْوَاقِدِيُّ إِلَى تَخْصِيصِ الْآيَةِ الْأُولَى بِوَاقِعَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْآيَتَيْنِ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ بِالْقَرْحِ، فَالْمَدْحُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَدْحِ/ عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى الْعَدُوِّ مِنْ وَقْتِ إِصَابَةِ الْقَرْحِ لِمَسِّهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ. وَالْقَرْحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالْهَزِيمَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ انْهَزَمُوا ثُمَّ أَحْسَنُوا الْأَعْمَالَ بِالتَّوْبَةِ وَاتَّقَوُا اللَّهَ فِي سَائِرِ أُمُورِهِمْ، ثُمَّ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ عَازِمِينَ عَلَى الثَّوَابِ مُوَطِّنِينَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ، بِحَيْثُ لَمَّا بَلَغَهُمْ كَثْرَةُ جُمُوعِهِمْ لَمْ يَفْتَرُوا وَلَمْ يَفْشَلُوا، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَرَضُوا بِهِ كَافِيًا وَمُعِينًا فَلَهُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ لَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ إِذْ كَانُوا قَدْ تَابُوا عَنْهَا وَاللَّهُ أعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 175]
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: الشَّيْطانُ خَبَرُ ذلِكُمُ بِمَعْنَى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الْمُثَبِّطُ هو الشيطان ويُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِتَثْبِيطِهِ، أَوِ الشَّيْطانُ صفة لاسم الإشارة ويُخَوِّفُ الْخَبَرُ، وَالْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ الرَّكْبُ، وَقِيلَ: نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُمِّيَ شَيْطَانًا لِعُتُوِّهِ وَتَمَرُّدِهِ فِي الْكُفْرِ، كَقَوْلِهِ: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الْأَنْعَامِ:
112] وَقِيلَ: هُوَ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ بِالْوَسْوَسَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ بِالشَّيْطَانِ إِنَّمَا خَوَّفُوا الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَحُذِفَ الْجَارُّ، وَمِثَالُ حَذْفِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [الْقَصَصِ: 7] أَيْ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فِرْعَوْنَ، وَمِثَالُ حَذْفِ الْجَارِّ قَوْلُهُ تَعَالَى:
لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً [الْكَهْفِ: 2] مَعْنَاهُ: لِيُنْذِرَكُمْ بِبَأْسٍ وَقَوْلُهُ: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غَافِرٍ: 15] أَيْ لِيُنْذِرَكُمْ بِيَوْمِ التَّلَاقِ، وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَالزَّجَّاجِ، وَأَبِي عَلِيٍّ. قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: خَوَّفْتُ زَيْدًا عَمْرًا، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ، كَمَا تَقُولُ: أَعْطَيْتُ الْأَمْوَالَ، أَيْ أَعْطَيْتُ الْقَوْمَ الْأَمْوَالَ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا أَوْلَى مِنِ ادِّعَاءٍ جَارٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: لِيُنْذِرَ بَأْساً أَيْ لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسًا وَقَوْلُهُ: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ أَيْ لِيُنْذِرَكُمْ يَوْمَ التَّلَاقِ وَالتَّخْوِيفُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ تَقُولُ: خَافَ زَيْدٌ الْقِتَالَ، وَخَوَّفْتُهُ الْقِتَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الْمُنَافِقِينَ لِيَقْعُدُوا عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمَعْنَى الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ وَيُؤْثِرُونَ أَمْرَهُ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ إِذَا خَوَّفَهُمْ وَلَا يَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَمُرَادِهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِيهِ مَحْذُوفَانِ، وَالثَّانِي فِيهِ مَحْذُوفٌ وَاحِدٌ، وَالثَّالِثُ لَا حَذْفَ فِيهِ. وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ فَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْكُفَّارُ، وَقَوْلُهُ: فَلا تَخافُوهُمْ الْكِنَايَةُ فِي الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَائِدَةٌ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ. وَفِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ عَائِدَةٌ إِلَى النَّاسُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 173] فَلا تَخافُوهُمْ فتقعدوا عن القتال وتجنبوا وَخافُونِ فَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِي وَسَارِعُوا إِلَى مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَعْنِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْتَضِي أَنْ تُؤْثِرُوا خَوْفَ اللَّهِ عَلَى خوف الناس.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 435
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست