responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 434
الْقَائِلِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نُوحٍ: 6] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فَاطِرٍ: 42] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ الْمُخَوِّفَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، بَلْ حَدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ عَزْمٌ مُتَأَكِّدٌ عَلَى مُحَارَبَةِ الْكُفَّارِ، وَعَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ ثَقُلَ ذَلِكَ أَوْ خَفَّ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ بِهِ جِرَاحَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْمُدَاوَاةِ، وَحَدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ وُثُوقٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ فِي هَذِهِ الْمُحَارَبَةِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَزادَهُمْ إِيماناً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ لَا عَنِ التَّصْدِيقِ بَلْ عَنِ الطَّاعَاتِ، وَإِنَّهُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى وُقُوعِ الزِّيَادَةِ، وَالَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالُوا: الزِّيَادَةُ إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ وَفِي شَعَائِرِهِ، فَصَحَّ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ مَجَازًا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَذِهِ الْوَاقِعَةُ تَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَدِ انْهَزَمُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ إِذَا انْهَزَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَنِ/ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْغَالِبِ قُوَّةٌ وَشِدَّةُ اسْتِيلَاءٍ، وَفِي قَلْبِ الْمَغْلُوبِ انْكِسَارٌ وَضَعْفٌ، ثُمَّ إِنَّهُ سبحانه قلب القضية هاهنا، فَأَوْدَعَ قُلُوبَ الْغَالِبِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْخَوْفَ وَالرُّعْبَ، وَأَوْدَعَ قُلُوبَ الْمَغْلُوبِينَ الْقُوَّةَ وَالْحَمِيَّةَ وَالصَّلَابَةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّوَاعِيَ وَالصَّوَارِفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا مَتَى حَدَثَتْ فِي الْقُلُوبِ وَقَعَتِ الْأَفْعَالُ عَلَى وَفْقِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كُلَّمَا ازْدَادُوا إِيمَانًا فِي قُلُوبِهِمْ أَظْهَرُوا مَا يُطَابِقُهُ فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَسْبُنَا اللَّهُ أَيْ كَافِينَا اللَّهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ وَرِيٌّ
أَيْ يَكْفِيكَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ، وَأَمَّا (الْوَكِيلُ) فَفِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْكَفِيلُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
ذَكَرْتُ أَبَا أَرْوَى فَبِتُّ كَأَنَّنِي ... بِرَدِّ الْأُمُورِ الْمَاضِيَاتِ وَكِيلُ
أَرَادَ كَأَنَّنِي بِرَدِّ الْأُمُورِ كَفِيلٌ. الثَّانِي: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَكِيلُ: الْكَافِي، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ «نِعْمَ» سَبِيلُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدَهَا مُوَافِقًا لِلَّذِي قَبْلَهَا، تَقُولُ: رَازِقُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الرَّازِقُ، وَخَالِقُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْخَالِقُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يقول: خالقنا الله ونعم الرازق، فكذا هاهنا تَقْدِيرُ الْآيَةِ: يَكْفِينَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْكَافِي. الثَّالِثُ: الوكيل، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ، وَالْكَافِي وَالْكَفِيلُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى وَكِيلًا، لِأَنَّ الْكَافِيَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إِلَيْهِ، وَكَذَا الْكَفِيلُ يَكُونُ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إِلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [إلى آخر الآية] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَالْمَعْنَى: وَخَرَجُوا فَانْقَلَبُوا، فَحَذَفَ الْخُرُوجَ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشُّعَرَاءِ: 63] أَيْ فَضُرِبَ فَانْفَلَقَ، وَقَوْلُهُ: بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: النعمة هاهنا الْعَافِيَةُ، وَالْفَضْلُ التِّجَارَةُ، وَقِيلَ:
النِّعْمَةُ مَنَافِعُ الدُّنْيَا، وَالْفَضْلُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لَمْ يُصِبْهُمْ قَتْلٌ وَلَا جِرَاحٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ قَدْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْفِيقِ فِيمَا فَعَلُوا، وَفِي ذَلِكَ إِلْقَاءُ الْحَسْرَةِ في قلوب المتخلفين عنهم إظهار لِخَطَأِ رَأْيِهِمْ حَيْثُ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِمَّا فَازَ به هؤلاء،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست