responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 429
وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْبَهْجَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالْكَرَامَةَ، صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَيٌّ وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، كَمَا يُقَالُ فِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ نفسه ولا ينتقع بِهِ أَحَدٌ إِنَّهُ مَيِّتٌ وَلَيْسَ بِحَيٍّ، وَكَمَا يُقَالُ لِلْبَلِيدِ، إِنَّهُ حِمَارٌ، وَلِلْمُؤْذِي إِنَّهُ سَبُعٌ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا رَأَى الزُّهْرِيَّ وَعَلِمَ فِقْهَهُ وَتَحْقِيقَهُ قَالَ لَهُ: مَا مَاتَ مَنْ خَلَّفَ مِثْلَكَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ وَخَلَّفَ ثَنَاءً جَمِيلًا وَذِكْرًا حَسَنًا، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ إِنَّهُ مَا مَاتَ بَلْ هُوَ حَيٌّ. الثَّانِي: قَالَ بَعْضُهُمْ مَجَازُ هَذِهِ الْحَيَاةِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ بَاقِيَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَأَنَّهَا لَا تَبْلَى تَحْتَ الْأَرْضِ الْبَتَّةَ.
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُجْرِيَ الْعَيْنَ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، أَمَرَ بِأَنْ يُنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيُخْرِجْهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ رِطَابَ الْأَبْدَانِ، فَأَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَطَرَتْ دَمًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمْ أَحْيَاءً أَنَّهُمْ لَا يُغَسَّلُونَ كَمَا تُغَسَّلُ الْأَمْوَاتُ، فَهَذَا/ مَجْمُوعُ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَسْرَارِ الْمَخْلُوقَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَلا تَحْسَبَنَّ الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِكُلِّ أَحَدٍ وَقُرِئَ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: وَلَا يَحْسَبَنَّ رَسُولُ اللَّهِ. وَالثَّانِي: وَلَا يَحْسَبَنَّ حَاسِبٌ، وَالثَّالِثُ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا أَنْفُسَهُمْ أَمْوَاتًا قَالَ: وَقُرِئَ تَحْسَبَنَّ بِفَتْحِ السِّينِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قُتِّلُوا بِالتَّشْدِيدِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: بَلْ أَحْياءٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: التَّقْدِيرُ: بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ، قَالَ صَاحِبُ «الكشاف» :
قرئ أحياء بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء. وَأَقُولُ: إِنَّ الزَّجَّاجَ قَالَ: وَلَوْ قُرِئَ أَحْيَاءً بالنصب لجاز على معنى بل أحسبهم أحياء، وَطَعَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِيهِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالشَّكِّ وَالْأَمْرُ بِالشَّكِّ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحُسْبَانِ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلِلزَّجَّاجِ أَنْ يُجِيبَ فَيَقُولَ: الْحُسْبَانُ ظَنٌّ لَا شَكٌّ، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِالظَّنِّ، أَلَيْسَ أَنَّ تَكْلِيفَهُ فِي جَمِيعِ الْمُجْتَهَدَاتِ لَيْسَ إِلَّا بِالظَّنِّ.
وَأَقُولُ: هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ مِنَ الزَّجَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ما قرئ أحياء بِالنَّصْبِ بَلِ الزَّجَّاجُ كَانَ يَدَّعِي أَنَّ لَهَا وَجْهًا فِي اللُّغَةِ، وَالْفَارِسِيُّ نَازَعَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَهُ وَجْهٌ فِي الْإِعْرَابِ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: عِنْدَ رَبِّهِمْ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ أَحَدٌ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: هُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أَيْ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ عِنْدَ مَعْنَاهُ الْقُرْبُ وَالْإِكْرَامُ، كَقَوْلِهِ: وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ [الأنبياء: 19] وقوله: الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [الأعراف: 206] .
أَمَّا قَوْلُهُ: يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ قَالُوا الثَّوَابُ مَنْفَعَةٌ خَالِصَةٌ دَائِمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْظِيمِ، فَقَوْلُهُ: يُرْزَقُونَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَنْفَعَةِ، وَقَوْلُهُ: فَرِحِينَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرَحِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّعْظِيمِ، وَأَمَّا الْحُكَمَاءُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَشْرَقَتْ جَوَاهِرُ الْأَرْوَاحِ الْقُدُسِيَّةِ بِالْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ كَانَتْ مُبْتَهِجَةً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ ذَوَاتُهَا مُنِيرَةً مُشْرِقَةً مُتَلَأْلِئَةً بِتِلْكَ الْجَلَايَا الْقُدُسِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ. وَالثَّانِي:
بِكَوْنِهَا نَاظِرَةً إِلَى يَنْبُوعِ النُّورِ وَمَصْدَرِ الرَّحْمَةِ وَالْجَلَالَةِ، قَالُوا: وَابْتِهَاجُهَا بِهَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي أَتَمُّ مِنِ ابْتِهَاجِهَا بِالْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ: يُرْزَقُونَ إِشَارَةٌ إِلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ: فَرِحِينَ إِشَارَةٌ إِلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَلِهَذَا قَالَ:
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يَعْنِي أَنَّ فَرَحَهُمْ لَيْسَ بِالرِّزْقِ، بَلْ بِإِيتَاءِ الرِّزْقِ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالرِّزْقِ مَشْغُولٌ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 429
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست