responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 428
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ النَّوْمِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، وَضَعْفُهُ لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ النَّفْسِ، بَلِ النَّفْسُ تَقْوَى وَقْتَ النَّوْمِ فَتُشَاهِدُ الْأَحْوَالَ وَتَطَّلِعُ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، فَإِذَا كَانَ ضَعْفُ الْبَدَنِ لَا يُوجِبُ ضَعْفَ النَّفْسِ، فَهَذَا يُقَوِّي الظَّنَّ فِي أَنَّ مَوْتَ الْبَدَنِ لَا يَسْتَعْقِبُ مَوْتَ النَّفْسِ. الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَفْكَارِ سَبَبٌ لِجَفَافِ الدِّمَاغِ، وَجَفَافُهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْأَفْكَارُ سَبَبٌ لِاسْتِكْمَالِ النَّفْسِ بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ غَايَةُ كَمَالِ النَّفْسِ، فَمَا هُوَ سَبَبٌ فِي كَمَالِ النَّفْسِ فَهُوَ سَبَبٌ لِنُقْصَانِ الْبَدَنِ، وَهَذَا يُقَوِّي الظَّنَّ فِي أَنَّ النَّفْسَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ الْبَدَنِ. الثَّالِثُ: أَنَّ أَحْوَالَ النَّفْسِ عَلَى ضِدِّ أَحْوَالِ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ إِنَّمَا تَفْرَحُ وَتَبْتَهِجُ بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرَّعْدِ: 28]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»
وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لَيْسَ إِلَّا عِبَارَةً عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالِاسْتِنَارَةِ بِأَنْوَارِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَأَيْضًا، فَإِنَّا نَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْشَارُ بِخِدْمَةِ سُلْطَانٍ، أَوْ بِالْفَوْزِ بِمَنْصِبٍ، أَوْ بِالْوُصُولِ إِلَى مَعْشُوقِهِ، قَدْ يَنْسَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، بَلْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَوْ دُعِيَ إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَوَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ نَفْرَةً شَدِيدَةً مِنْهُ، وَالْعَارِفُونَ الْمُتَوَغِّلُونَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يَجِدُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا لَاحَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَارِ، وَانْكَشَفَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْرَارِ، لَمْ يَحُسُّوا الْبَتَّةَ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّعَادَةُ النَّفْسَانِيَّةُ كَالْمُضَادَّةِ لِلسَّعَادَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَقِلَّةٌ بِذَاتِهَا وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَدَنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا تَمُوتَ النَّفْسُ بِمَوْتِ الْبَدَنِ، وَلْتَكُنْ هَذِهِ الْإِقْنَاعِيَّاتُ كَافِيَةً فِي هَذَا الْمُقَامِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ زَالَتِ الْإِشْكَالَاتُ وَالشُّبُهَاتُ عَنْ كُلِّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ثَوَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ، وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَنَقُولُ: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ أَحْيَاءٌ/ وَهِيَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَلَائِكَتَهُ وَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ فِي خِدْمَتِي.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَفْظُ «عند» فكما أنه مذكور هاهنا فَكَذَا فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ مَذْكُورٌ وَهُوَ قَوْلِهِ: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ [الْأَنْبِيَاءِ: 19] فَإِذَا فَهِمْتَ السَّعَادَةَ الْحَاصِلَةَ لِلْمَلَائِكَةِ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَهِمْتَ السَّعَادَةَ الْحَاصِلَةَ لِلشُّهَدَاءِ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ تَفْتَحُ عَلَى الْعَقْلِ أَبْوَابَ مَعَارِفِ الْآخِرَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَيَاةَ لِلْأَجْسَادِ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ تعالى يصعد أجساد هؤلاء الشهداء إلى السموات وَإِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ وَيُوصِلُ أَنْوَاعَ السَّعَادَةِ وَالْكَرَامَاتِ إِلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتْرُكُهَا فِي الْأَرْضِ وَيُحْيِيهَا وَيُوصِلُ هَذِهِ السَّعَادَاتِ إِلَيْهَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّا نَرَى أَجْسَادَ هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ قَدْ تَأْكُلُهَا السِّبَاعُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهَا حَالَ كَوْنِهَا فِي بُطُونِ هَذِهِ السِّبَاعِ وَيُوَصِّلُ الثَّوَابَ إِلَيْهَا، أَوْ يُقَالُ: إِنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ يُرَكِّبُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَيُؤَلِّفُهَا وَيَرُدُّ الْحَيَاةَ إِلَيْهَا وَيُوصِّلُ الثَّوَابَ إِلَيْهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ، وَلِأَنَّا قَدْ نَرَى الْمَيِّتَ الْمَقْتُولَ بَاقِيًا أَيَّامًا إِلَى أَنْ تَنْفَسِخَ أَعْضَاؤُهُ وَيَنْفَصِلَ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ، فَإِنْ جَوَّزْنَا كَوْنَهَا حَيَّةً مُتَنَعِّمَةً عَاقِلَةً عَارِفَةً لَزِمَ الْقَوْلُ بِالسَّفْسَطَةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ نَقُولَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا أَحْيَاءً حُصُولَ الْحَيَاةِ فِيهِمْ، بَلِ الْمُرَادُ بَعْضُ الْمَجَازَاتِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصَمُّ الْبَلْخِيُّ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْمَنْزِلَةِ فِي الدِّينِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 428
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست