responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 346
لَهُ تَأَخَّرْ، وَكَانَ نُزُولُهُ فِي جَانِبِ الْوَادِي، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ وَأَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ عَلَى الرُّمَاةِ، وَقَالَ:
ادْفَعُوا عَنَّا بِالنَّبْلِ حَتَّى لَا يَأْتُونَا مِنْ وَرَائِنَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: اثْبُتُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِذَا عَايَنُوكُمْ وَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ، فَلَا تَطْلُبُوا الْمُدْبِرِينَ وَلَا تَخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْمَقَامِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ لَمَّا خَالَفَ رَأْيَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَعَصَانِي، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا يَظْفَرُ بِعَدُوِّهِ بِكُمْ، وَقَدْ وَعَدَ أَصْحَابَهُ أَنَّ أَعْدَاءَهُمْ إِذَا عَايَنُوهُمُ انْهَزَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ أَعْدَاءَهُمْ فَانْهَزِمُوا فَيَتْبَعُوكُمْ، فَيَصِيرُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا الْتَقَى الْفَرِيقَانِ انْهَزَمَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ جُمْلَةُ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَلْفًا، فَانْهَزَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مَعَ ثَلَاثِمِائَةٍ، فَبَقِيَتْ سَبْعُمِائَةٍ، ثُمَّ قَوَّاهُمُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ حَتَّى هَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ انْهِزَامَ الْقَوْمِ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى بَشَّرَهُمْ بِذَلِكَ، طَمِعُوا أَنْ/ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَوَاقِعَةِ بَدْرٍ، فَطَلَبُوا الْمُدْبِرِينَ وَتَرَكُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَخَالَفُوا أَمْرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَرَاهُمْ مَا يُحِبُّونَ، فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَفْطِمَهُمْ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ لِئَلَّا يُقْدِمُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ ظَفَرَهُمْ إِنَّمَا حصل يوم بدو بِبَرَكَةِ طَاعَتِهِمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَمَتَى تَرَكَهُمُ اللَّهُ مَعَ عَدُوِّهِمْ لَمْ يَقُومُوا لَهُمْ فَنَزَعَ اللَّهُ الرُّعْبَ مِنْ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَثُرَ عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ وَتَفَرَّقَ الْعَسْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 153] وَشُجَّ وَجْهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُلَّتْ يَدُ طَلْحَةَ دُونَهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَسَعْدٌ، وَوَقَعَتِ الصَّيْحَةُ فِي الْعَسْكَرِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، وَكَانَ رَجُلٌ يُكَنَّى أَبَا سُفْيَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ نَادَى الْأَنْصَارَ وَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَكَانَ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا ذَبَّ عَنْ إِخْوَانِهِ» وَشَدَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى كَشَفَهُمْ عَنِ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَّةِ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا أَلْفًا وَأَقَلَّ، ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مَعَ ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَبَقِيَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَبْعِمِائَةٍ، فَأَعَانَهُمُ اللَّهُ حَتَّى هَزَمُوا الْكُفَّارَ، ثُمَّ لَمَّا خَالَفُوا أَمْرَ الرَّسُولِ وَاشْتَغَلُوا بِطَلَبِ الْغَنَائِمِ انْقَلَبَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَانْهَزَمُوا وَوَقَعَ مَا وَقَعَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران: 120] وَأَنَّ الْمُقْبِلَ مَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ، وَالْمُدْبِرَ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يُقَالُ: بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُ لَهُ مَنْزِلًا أَيْ أَنْزَلْتُهُ فِيهِ، وَالْمَبَاءَةُ وَالْبَاءَةُ الْمَنْزِلُ وَقَوْلُهُ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أَيْ مَوَاطِنَ وَمَوَاضِعَ، وَقَدِ اتَّسَعُوا فِي اسْتِعْمَالِ الْمَقْعَدِ وَالْمَقَامِ بِمَعْنَى الْمَكَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ [الْقَمَرِ: 55] وَقَالَ: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ [النَّمْلِ: 39] أَيْ مِنْ مَجْلِسِكَ وَمَوْضِعِ حُكْمِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنِ الْأَمْكِنَةِ هَاهُنَا بِالْمَقَاعِدِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي مَقَاعِدِهِمْ لَا يَنْتَقِلُوا عَنْهَا، وَالْقَاعِدُ فِي مَكَانٍ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ فَسَمَّى تِلْكَ الْأَمْكِنَةَ بِالْمَقَاعِدِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَثْبُتُوا فِيهَا وَلَا يَنْتَقِلُوا عَنْهَا أَلْبَتَّةَ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُقَاتِلِينَ قَدْ يَقْعُدُونَ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُعَيَّنَةِ إِلَى أَنْ يُلَاقِيَهُمُ الْعَدُوُّ فَيَقُومُوا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُحَارَبَةِ فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَمْكِنَةُ بِالْمَقَاعِدِ لِهَذَا الْوَجْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ
يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَدَا مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَشَى عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى أُحُدٍ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْوَاقِدِيِّ،
فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ أَهْلًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ تعالى: الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ [النُّورِ: 26] فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 346
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست