responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 334
النَّاقِصِينَ، وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ، إِمَّا بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا ينبغي وهو الأمر بالمعروف، أو بمنعهم عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَبِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَيْ يَنْهَوْنَ عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَعَنْ إِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ مُطْلَقٌ فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَهُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَعْرُوفٍ وَكُلَّ مُنْكَرٍ.
الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَتَبَادَرُونَ إِلَيْهَا خَوْفَ الْفَوْتِ بِالْمَوْتِ، وَالْآخَرُ: يَعْمَلُونَهَا غَيْرَ مُتَثَاقِلِينَ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْعَجَلَةَ مَذْمُومَةٌ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالتَّأَنِّي مِنَ الرَّحْمَنِ»
فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ السُّرْعَةِ وَبَيْنَ الْعَجَلَةِ؟ قُلْنَا: السُّرْعَةُ مَخْصُوصَةٌ بِأَنْ يُقَدَّمَ مَا يَنْبَغِي تقديمه، والعجلة ومخصوصة بِأَنْ يُقَدَّمَ مَا لَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ، فَالْمُسَارَعَةُ مَخْصُوصَةٌ بِفَرْطِ الرَّغْبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، لِأَنَّ مَنْ رَغِبَ فِي الْأَمْرِ، آثَرَ الْفَوْرَ عَلَى التَّرَاخِي، قَالَ تَعَالَى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 133] وَأَيْضًا الْعَجَلَةُ لَيْسَتْ مَذْمُومَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طَهَ: 84] .
الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْمَعْنَى وَأُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا وُصِفُوا بِهِ مِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ صَلَحَتْ أَحْوَالُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَضِيَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ بِذَلِكَ غَايَةُ الْمَدْحِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْقُرْآنُ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ بِهَذَا الْوَصْفِ أَكَابِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ/ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ: بَعْدَ ذِكْرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذِي الْكِفْلِ وَغَيْرِهِمْ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: 86] وَذَكَرَ حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النَّمْلِ: 19] وَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [التَّحْرِيمِ: 4] وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الصَّلَاحَ ضِدُّ الْفَسَادِ، وَكُلُّ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَهُوَ فَسَادٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَقَائِدِ، أَوْ فِي الْأَعْمَالِ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ مَا حَصَلَ مِنْ بَابِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، فَقَدْ حَصَلَ الصَّلَاحُ، فَكَانَ الصَّلَاحُ دَالًّا عَلَى أَكْمَلِ الدَّرَجَاتِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةَ قَالَ: وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ بِالْيَاءِ عَلَى الْمُغَايَبَةِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، يَتْلُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيُؤْمِنُونَ وَيَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ ويسارعون، ولن يضيع لهم ما يعلمون، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ جُهَّالَ الْيَهُودِ لَمَّا قَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ إِنَّكُمْ خَسِرْتُمْ بِسَبَبِ هَذَا الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى بَلْ فَازُوا بِالدَّرَجَاتِ الْعُظْمَى، فَكَانَ الْمَقْصُودُ تَعْظِيمَهُمْ لِيَزُولَ عَنْ قَلْبِهِمْ أَثَرُ كَلَامِ أُولَئِكَ الْجُهَّالِ، ثُمَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ يَرْجِعُ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ سَائِرَ الْخَلْقِ يَدْخُلُونَ فِيهِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا بِالتَّاءِ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَفْعَالَ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ ذُكِرَتْ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مِنْ جُمْلَتِكُمْ هَؤُلَاءِ، فَلَنْ تُكْفَرُوهُ، وَالْفَائِدَةُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامًّا بِحَسَبِ اللَّفْظِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ نَظَائِرَ هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَتْ مُخَاطِبَةً لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ كَقَوْلِهِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 334
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست