responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 315
عَرَفَ الْحُكْمَ فِي مَذْهَبِهِ وَجَهِلَهُ فِي مَذْهَبِ صَاحِبِهِ فَنَهَاهُ عَنْ غَيْرِ مُنْكَرٍ، وَقَدْ يُغْلِظُ فِي مَوْضِعِ اللِّينِ وَيَلِينُ فِي مَوْضِعِ الْغِلْظَةِ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ لَا يَزِيدُهُ إِنْكَارُهُ إِلَّا تَمَادِيًا، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [التوبة: 122] والثاني: أنا جمعنا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمَعْنَى لِيَقُمْ بِذَلِكَ بَعْضُكُمْ، فَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا إِيجَابًا عَلَى الْبَعْضِ لَا عَلَى الْكُلِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وَالتَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كُونُوا أُمَّةً مُجْتَمِعِينَ عَلَى حِفْظِ سُنَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَلُّمِ الدِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى التَّكْلِيفِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَوَّلُهَا: الدَّعْوَةُ إِلَى الْخَيْرِ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِأَجْلِ الْعَطْفِ يَجِبُ كَوْنُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُتَغَايِرَةً، فَنَقُولُ: أَمَّا الدَّعْوَةُ إِلَى الْخَيْرِ فَأَفْضَلُهَا الدَّعْوَةُ إِلَى إِثْبَاتِ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمُمْكِنَاتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْخَيْرِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النَّحْلِ: 125] وقوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يُوسُفَ: 108] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الدَّعْوَةُ إِلَى الْخَيْرِ جِنْسٌ تَحْتَهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: التَّرْغِيبُ فِي فِعْلِ مَا يَنْبَغِي وَهُوَ بِالْمَعْرُوفِ وَالثَّانِي: التَّرْغِيبُ فِي تَرْكِ مَا لَا يَنْبَغِي وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَذَكَرَ الْجِنْسَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِنَوْعَيْهِ مُبَالَغَةً فِي الْبَيَانِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَمَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، وَالْفَاسِقُ لَيْسَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْغَالِبِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ صَلَاحِ أَحْوَالِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ يُقَدِّمُ مُهِمَّ نَفْسِهِ عَلَى مُهِمِّ الْغَيْرِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَكَّدُوا هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 44] وبقوله لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفِّ: 2، 3] وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِمَنْ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْمَعْرُوفِ فِي أَنَّهَا لِمَ كَشَفَتْ وَجْهَهَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ، وَالْعُلَمَاءُ قَالُوا: الْفَاسِقُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ، فَبِأَنَّ تَرْكَ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ لَا يُلْزِمُهُ تَرْكَ الْوَاجِبِ الْآخَرِ، وَعَنِ السَّلَفِ: مُرُوا بِالْخَيْرِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا أَقُولُ مَا لَا أَفْعَلُ، فَقَالَ: وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟ وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفِرَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْكُمْ فَلَا يَأْمُرُ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ كَانَ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَخَلِيفَةَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 315
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست