responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 313
إِنَّمَا حَصَلَتْ مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَتْ تِلْكَ الدَّاعِيَةُ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِحُصُولِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ، قَالَ الْكَعْبِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ بِالْهِدَايَةِ وَالْبَيَانِ وَالتَّحْذِيرِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْأَلْطَافِ.
قُلْنَا: كُلُّ هَذَا كَانَ حَاصِلًا فِي زَمَانِ حُصُولِ الْمُحَارِبَاتِ وَالْمُقَاتِلَاتِ، فَاخْتِصَاصُ أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ بِحُصُولِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ النِّعْمَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ ذَكَرَ بَعْدَهَا النِّعْمَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ، وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَعْنَى أَنَّكُمْ كُنْتُمْ مُشْرِفِينَ بِكُفْرِكُمْ عَلَى جَهَنَّمَ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ مُشْبِهَةٌ بِالْحُفْرَةِ الَّتِي فِيهَا النَّارُ فَجَعَلَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِلنَّارِ بِكُفْرِهِمْ كَالْإِشْرَافِ مِنْهُمْ عَلَى النَّارِ، وَالْمَصِيرِ مِنْهُمْ إِلَى حُفْرَتِهَا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْقَذَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحُفْرَةِ، وَقَدْ قَرُبُوا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا.
قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى لَطُفَ بِهِمْ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَائِرِ أَلْطَافِهِ حَتَّى آمَنُوا قَالَ أَصْحَابُنَا:
جَمِيعُ الْأَلْطَافِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْإِيمَانِ وَمُوجِدُهُ هُوَ الْعَبْدُ لَكَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي أَنْقَذَ نَفْسَهُ مِنَ النَّارِ، وَاللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنَ النَّارِ، / فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ خَالِقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: شَفَا الشَّيْءِ حَرْفُهُ مَقْصُورٌ، مِثْلُ شَفَا الْبِئْرِ وَالْجَمْعُ الْأَشْفَاءُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَشْفَى عَلَى الشَّيْءِ إِذَا أَشْرَفَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ بَلَغَ شَفَاهُ، أَيْ حَدَّهُ وَحَرْفَهُ وَقَوْلُهُ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ نَقَذْتُهُ وَأَنْقَذْتُهُ وَاسْتَنْقَذْتُهُ، أَيْ خَلَّصْتُهُ وَنَجَّيْتُهُ.
وَفِي قَوْلِهِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها سُؤَالٌ وَهُوَ: أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُنْقِذُهُمْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَهُمْ كَانُوا عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ، وَشَفَا الْحُفْرَةِ مُذَكَّرٌ فَكَيْفَ قَالَ مِنْهَا؟.
وَأَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْحُفْرَةِ وَلَمَّا أَنْقَذَهُمْ مِنَ الْحُفْرَةِ فَقَدْ أَنْقَذَهُمْ مِنْ شَفَا الْحُفْرَةِ لِأَنَّ شَفَاهَا مِنْهَا وَالثَّانِي: أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى النَّارِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِنْجَاءُ مِنَ النَّارِ لَا مِنْ شَفَا الْحُفْرَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ الثَّالِثُ: أَنَّ شَفَا الْحُفْرَةِ، وَشَفَتُهَا طَرَفُهَا، فَجَازَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ لَوْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ لَوَقَعُوا فِي النَّارِ، فَمُثِّلَتْ حَيَاتُهُمُ الَّتِي يُتَوَقَّعُ بَعْدَهَا الْوُقُوعُ فِي النَّارِ بِالْقُعُودِ عَلَى حَرْفِهَا، وَهَذَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْقِيرِ مُدَّةِ الْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ الْمَوْتِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوعِ فِي الْحُفْرَةِ إِلَّا مَا بَيْنَ طَرَفِ الشَّيْءِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، ثُمَّ قَالَ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ مِثْلُ الْبَيَانِ الْمَذْكُورِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ سَائِرَ الْآيَاتِ لِكَيْ تَهْتَدُوا بِهَا، قَالَ الْجُبَّائِيُّ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْهُمُ الِاهْتِدَاءَ، أَجَابَ الْوَاحِدِيُّ عَنْهُ فِي «الْبَسِيطِ» فَقَالَ: بَلِ الْمَعْنَى لِتَكُونُوا عَلَى رَجَاءِ هِدَايَةٍ.
وَأَقُولُ: وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ مِنْهُمْ ذَلِكَ الرَّجَاءَ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَلَى مَذْهَبِنَا قَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ الرَّجَاءَ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ كَلِمَةُ (لَعَلَّ) لِلتَّرَجِّي، وَالْمَعْنَى أَنَّا فَعَلْنَا فِعْلًا يُشْبِهُ فِعْلَ مَنْ يَتَرَجَّى ذلك والله أعلم.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست