responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 312
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يُونُسَ: 32] وَالثَّانِي: أَنَّهُ نُهِيَ عَنِ الْمُعَادَاةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُوَاظِبِينَ عَلَى الْمُحَارَبَةِ وَالْمُنَازَعَةِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهَا الثَّالِثُ: أَنَّهُ نُهِيَ عَمَّا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَيُزِيلُ الْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً النَّاجِي مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي فِي النَّارِ فَقِيلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْجَمَاعَةُ» وَرُوِيَ «السَّوَادُ الْأَعْظَمُ» وَرُوِيَ «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»
وَالْوَجْهُ الْمَعْقُولُ فِيهِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَالْأَمْرَ بِالِاتِّفَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ النَّاجِي وَاحِدًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتَدَلَّتْ نُفَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالُوا: الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ نَصَبَ عَلَيْهَا دَلَائِلَ يَقِينِيَّةً أَوْ نَصَبَ عَلَيْهَا دَلَائِلَ ظَنِّيَّةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ امْتَنَعَ الِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْيَقِينِيِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ الْأَمْرُ بِالرُّجُوعِ إِلَى تِلْكَ الدَّلَائِلِ الظَّنِّيَّةِ يَتَضَمَّنُ وُقُوعَ الِاخْتِلَافِ وَوُقُوعَ النِّزَاعِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ التَّفَرُّقُ وَالتَّنَازُعُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا تَفَرَّقُوا وقوله وَلا تَنازَعُوا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ تَكُونُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ وَلا تَفَرَّقُوا ولعموم قوله وَلا تَنازَعُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ إِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ وَإِمَّا أُخْرَوِيَّةٌ وَإِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا النِّعْمَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ الْيَهُودِيَّ لَمَّا أَلْقَى الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَهَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُحَارَبَةِ صَاحِبِهِ، فَخَرَجَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزَلْ يَرْفُقُ بِهِمْ حَتَّى سَكَنَتِ الْفِتْنَةُ وَكَانَ/ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ، وَتَطَاوَلَتِ الْحُرُوبُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلَى أَنْ أَطْفَأَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ، فَالْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَيْهِمْ وَإِلَى أَحْوَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَ يُحَارِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَبْغُضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ صَارُوا إِخْوَانًا مُتَرَاحِمِينَ مُتَنَاصِحِينَ وَصَارُوا إِخْوَةً فِي اللَّهِ: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الْأَنْفَالِ: 63] .
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ وَجْهُهُ إِلَى الدُّنْيَا كَانَ مُعَادِيًا لِأَكْثَرِ الْخَلْقِ، وَمَنْ كَانَ وَجْهُهُ إِلَى خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ مُعَادِيًا لِأَحَدٍ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْظُرُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ فَيَرَى الْكُلَّ أَسِيرًا فِي قَبْضَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَلَا يُعَادِي أَحَدًا، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْعَارِفَ إِذَا أَمَرَ أَمَرَ بِرِفْقٍ وَيَكُونُ نَاصِحًا لَا يُعَنِّفُ وَيُعَيِّرُ فَهُوَ مُسْتَبْصِرٌ بِسِرِّ اللَّهِ فِي الْقَدَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الْأَخِ فِي اللُّغَةِ مِنَ التَّوَخِّي وَهُوَ الطَّلَبُ فَالْأَخُ مَقْصِدُهُ مَقْصِدُ أَخِيهِ، وَالصَّدِيقُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْ يَصْدُقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّدِيقَيْنِ صَاحِبَهُ مَا فِي قَلْبِهِ، وَلَا يُخْفِي عَنْهُ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: الْإِخْوَةُ فِي النَّسَبِ وَالْإِخْوَانُ فِي الصَّدَاقَةِ، قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الْحُجُرَاتِ: 10] وَلَمْ يَعْنِ النَّسَبَ، وَقَالَ: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ [النُّورِ: 61] وَهَذَا فِي النَّسَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الْحَسَنَةَ الْجَارِيَةَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الإسلام

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 312
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست