responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 297
اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِرَفْعِ قَوَاعِدِهِ وَهَذَا هُوَ الْوَارِدُ فِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ الثَّالِثُ: قَالَ الْقَاضِي: إِنَّ الَّذِي يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ رُفِعَ زَمَانَ الطُّوفَانِ إِلَى السَّمَاءِ بَعِيدٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الشَّرِيفَ هُوَ تِلْكَ الْجِهَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَالْجِهَةُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا إِلَى السَّمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَعْبَةَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَوِ انْهَدَمَتْ وَنُقِلَ الْأَحْجَارُ وَالْخَشَبُ وَالتُّرَابُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرَفٌ أَلْبَتَّةَ، وَيَكُونُ شَرَفُ تِلْكَ الْجِهَةِ بَاقِيًا بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ بِعَيْنِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْلِ تِلْكَ الْجُدْرَانِ إِلَى السَّمَاءِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا صَارَتْ تِلْكَ الْأَجْسَامُ فِي الْعِزَّةِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِنَقْلِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الْعِزَّةُ بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، فَصَارَ نَقْلُهَا إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَائِلِ عَلَى غَايَةِ تَعْظِيمِ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِعْزَازِهَا، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ:
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ كَوْنُ هَذَا الْبَيْتِ أَوَّلًا فِي كَوْنِهِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْخَلْقِ
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ بَيْتُ الْمَقْدِسِ» فَقِيلَ كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً»
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ/ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ؟ قَالَ: لَا قَدْ كَانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا فِيهِ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ بَنَاهُ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ جُرْهُمٍ، ثُمَّ هُدِمَ فَبَنَاهُ الْعَمَالِقَةُ، وَهُمْ مُلُوكٌ مِنْ أَوْلَادِ عِمْلِيقِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، ثُمَّ هُدِمَ فَبَنَاهُ قُرَيْشٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ بَيَانُ الْفَضِيلَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيحُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ بِالْأَوَّلِيَّةِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالشَّرَفِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْأَوَّلِيَّةِ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ، إِلَّا أَنَّ ثُبُوتَ الْأَوَّلِيَّةِ بِسَبَبِ الْفَضِيلَةِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْبِنَاءِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ زِيَادَةُ الْفَضِيلَةِ وَالْمَنْقَبَةِ فَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا وُجُوهَ فَضِيلَةِ الْبَيْتِ:
الْفَضِيلَةُ الْأُولَى: اتَّفَقَتِ الْأُمَمُ عَلَى أَنَّ بَانِيَ هَذَا الْبَيْتِ هُوَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَانِيَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَلِيلَ أَعْظَمُ دَرَجَةً وَأَكْثَرُ مَنْقَبَةً مِنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْكَعْبَةُ أَشْرَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعِمَارَةِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الْحَجِّ: 26] وَالْمُبَلِّغُ لِهَذَا التَّكْلِيفِ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ فِي الْعَالَمِ بِنَاءٌ أَشْرَفَ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَالْآمِرُ هُوَ الْمَلِكُ الْجَلِيلُ وَالْمُهَنْدِسُ هُوَ جِبْرِيلُ، وَالْبَانِي هُوَ الْخَلِيلُ، وَالتِّلْمِيذُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ: مَقامُ إِبْراهِيمَ وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَ إِبْرَاهِيمُ قَدَمَهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ اللَّهُ مَا تَحْتَ قَدَمِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ الْحَجَرِ دُونَ سَائِرِ أَجْزَائِهِ كَالطِّينِ حَتَّى غَاصَ فِيهِ قَدَمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يُظْهِرُهُ إِلَّا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ لَمَّا رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ قَدَمَهُ عَنْهُ خَلَقَ فِيهِ الصَّلَابَةَ الْحَجَرِيَّةَ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَبْقَى ذَلِكَ الْحَجَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ فَهَذِهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْآيَاتِ الْعَجِيبَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ أَظْهَرَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ الْحَجَرِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست