responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 271
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ إِشَارَةٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا على ترتب فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَ السَّمَاوِيَّ يَنْزِلُ أَوَّلًا ثُمَّ إِنَّهُ يَحْصُلُ فِي عَقْلِ النَّبِيِّ فَهْمُ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالْحُكْمِ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الْعِلْمُ، قَالَ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مَرْيَمَ: 12] يَعْنِي الْعِلْمَ وَالْفَهْمَ، ثُمَّ إِذَا حَصَلَ فَهْمُ الْكِتَابِ، فَحِينَئِذٍ يُبَلِّغُ ذَلِكَ إِلَى الْخَلْقِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ فَمَا أَحْسَنَ هَذَا التَّرْتِيبَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقِرَاءَةُ الظَّاهِرَةُ، ثُمَّ يَقُولَ بِنَصْبِ اللَّامِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِرَفْعِهَا، أَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ: لَا تَجْتَمِعُ النُّبُوَّةُ وَهَذَا الْقَوْلُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ (أَنْ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَى ثُمَّ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُونُوا عِباداً لِي أَنَّهُ لُغَةُ مُزَيْنَةَ يَقُولُونَ لِلْعَبِيدِ عِبَادًا.
ثُمَّ قَالَ: وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِضْمَارٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُمْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ فَأَضْمَرَ الْقَوْلَ عَلَى حَسَبِ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي جَوَازِ الْإِضْمَارِ إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 106] أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ.
المسألة الثانية: ذكروا في تفسير (الرباني) أقولًا الْأَوَّلُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: الرَّبَّانِيُّ الْمَنْسُوبُ إِلَى الرَّبِّ، بِمَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِهِ، وَمُوَاظِبًا عَلَى طَاعَتِهِ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ إِلَهِيٌّ إِذَا كَانَ مُقْبِلًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِلَهِ وَطَاعَتِهِ وَزِيَادَةُ الْأَلِفِ وَالنُّونِ فِيهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ، كَمَا قَالُوا: شَعْرَانِيٌّ وَلِحْيَانِيٌّ وَرَقَبَانِيٌّ إِذَا وُصِفَ بِكَثْرَةِ الشَّعْرِ وَطُولِ اللِّحْيَةِ وَغِلَظِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا نَسَبُوا إِلَى الشَّعْرِ قَالُوا: شَعْرِيٌّ وَإِلَى الرَّقَبَةِ رَقَبِيٌّ وَإِلَى اللِّحْيَةِ لِحْيِيٌّ وَالثَّانِي: قَالَ الْمُبَرِّدُ (الرَّبَّانِيُّونَ) أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَاحِدُهُمْ رَبَّانِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي يَرُبُّ الْعِلْمَ وَيَرُبُّ النَّاسَ أَيْ: يُعَلِّمُهُمْ وَيُصْلِحُهُمْ وَيَقُومُ بأمرهم، فالألف والنون للمبالغة كما قالوا: ربان وَعَطْشَانُ وَشَبْعَانُ وَعُرْيَانٌ، ثُمَّ ضُمَّتْ إِلَيْهِ يَاءُ النِّسْبَةِ كَمَا قِيلَ:
لِحْيَانِيٌّ وَرَقَبَانِيٌّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فَعَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ الرَّبَّانِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّبِّ عَلَى مَعْنَى التَّخْصِيصِ بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَبِطَاعَتِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُبَرِّدِ (الرَّبَّانِيُّ) مَأْخُوذٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الرَّبَّانِيُّ. هُوَ الَّذِي يَرُبُّ النَّاسَ، فَالرَّبَّانِيُّونَ هُمْ وُلَاةُ الْأُمَّةِ وَالْعُلَمَاءُ، وَذَكَرَ هَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْلا يَنْهاهُمُ/ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ [الْمَائِدَةِ: 63] أَيِ الْوُلَاةُ وَالْعُلَمَاءُ وَهُمَا الْفَرِيقَانِ اللَّذَانِ يُطَاعَانِ وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: لَا أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَكُونُوا عِبَادًا لِي، وَلَكِنْ أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَكُونُوا مُلُوكًا وَعُلَمَاءَ بِاسْتِعْمَالِكُمْ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُوَاظَبَتِكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ، قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَالِي سُمِّيَ رَبَّانِيًّا، لِأَنَّهُ يُطَاعُ كَالرَّبِّ تَعَالَى، فَنُسِبَ إِلَيْهِ الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَحْسَبُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ إِنَّمَا هِيَ عِبْرَانِيَّةٌ، أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ عِبْرَانِيَّةً، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي عَلِمَ وَعَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَاشْتَغَلَ بِتَعْلِيمِ طُرُقِ الْخَيْرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست