responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 239
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى: الَّذِينَ اتَّبَعُوا دِينَ عِيسَى يَكُونُونَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ، وَهُمُ الْيَهُودُ بِالْقَهْرِ وَالسُّلْطَانِ وَالِاسْتِعْلَاءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إخباراً عن ذل اليهود وإنهم يكونوا مَقْهُورِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَهُمْ وَإِنْ أَظْهَرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ مُوَافَقَتَهُ فَهُمْ يُخَالِفُونَهُ أَشَدَّ الْمُخَالَفَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَرِيحَ الْعَقْلِ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَرْضَى بِشَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّا نَرَى أَنَّ دَوْلَةَ النَّصَارَى فِي الدُّنْيَا أَعْظَمُ وَأَقْوَى مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ فَلَا نَرَى فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الدُّنْيَا مُلْكًا يَهُودِيًّا وَلَا بَلْدَةً مَمْلُوءَةً مِنَ الْيَهُودِ بَلْ يَكُونُونَ أَيْنَ كَانُوا بالذلة والمسكنة وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَمْرُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ الْفَوْقِيَّةُ بِالْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْعَهُ فِي قَوْلِهِ وَرافِعُكَ إِلَيَّ هُوَ الرِّفْعَةُ بِالدَّرَجَةِ وَالْمَنْقَبَةِ، لَا بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ، كَمَا أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ فِي هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْمَكَانِ بَلْ بِالدَّرَجَةِ وَالرِّفْعَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى بَشَّرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ يُعْطِيهِ فِي الدُّنْيَا تِلْكَ الْخَوَاصَّ الشَّرِيفَةَ، وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةَ الْعَالِيَةَ، وَأَمَّا فِي الْقِيَامَةِ/ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَبَيْنَ الْجَاحِدِينَ بِرِسَالَتِهِ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَقِيَ مِنْ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى حِينَ رَفَعَهُ أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَ:
وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النِّسَاءِ: 157] وَالْأَخْبَارُ أَيْضًا وَارِدَةٌ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ، فَتَارَةً يُرْوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ دَلُّوا الْيَهُودَ عَلَى مَكَانِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَتَارَةً يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَغَّبَ بَعْضَ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ فِي أن يلقي شبهه حَتَّى يُقْتَلَ مَكَانَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَيْفَمَا كَانَ فَفِي إِلْقَاءِ شَبَهِهِ عَلَى الْغَيْرِ إِشْكَالَاتٌ:
الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا إِلْقَاءَ شَبَهِ إِنْسَانٍ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ لَزِمَ السَّفْسَطَةُ، فَإِنِّي إِذَا رَأَيْتُ وَلَدِي ثُمَّ رَأَيْتُهُ ثَانِيًا فَحِينَئِذٍ أُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ ثَانِيًا لَيْسَ بِوَلَدِي بَلْ هُوَ إِنْسَانٌ أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَلَى الْمَحْسُوسَاتِ، وَأَيْضًا فَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَأَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْرِفُوا أَنَّهُ مُحَمَّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى سُقُوطِ الشَّرَائِعِ، وَأَيْضًا فَمَدَارُ الْأَمْرِ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ الْأَوَّلُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ الْمَحْسُوسِ، فَإِذَا جَازَ وُقُوعُ الْغَلَطِ فِي الْمُبْصَرَاتِ كَانَ سُقُوطُ خَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْلَى وَبِالْجُمْلَةِ فَفَتْحُ هَذَا الْبَابِ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ إِبْطَالُ النُّبُوَّاتِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَالْإِشْكَالُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ، هَكَذَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [الْمَائِدَةِ: 110] ثُمَّ إِنَّ طَرَفَ جَنَاحٍ وَاحِدٍ مِنْ أَجْنِحَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَكْفِي الْعَالَمَ مِنَ الْبَشَرِ فَكَيْفَ لَمْ يَكْفِ فِي مَنْعِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ عَنْهُ؟ وَأَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، فَكَيْفَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِمَاتَةِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ الَّذِينَ قَصَدُوهُ بِالسُّوءِ وَعَلَى إِسْقَامِهِمْ وَإِلْقَاءِ الزَّمَانَةِ وَالْفَلَجِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَصِيرُوا عَاجِزِينَ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُ؟.
وَالْإِشْكَالُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ قَادِرًا عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ أُولَئِكَ الْأَعْدَاءِ بِأَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَمَا الْفَائِدَةُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست