responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 238
الْأَرْضِ وَإِصْعَادُهُ إِلَى السَّمَاءِ تَوَفِّيًا لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ التَّوَفِّي عَيْنَ الرَّفْعِ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ تَكْرَارًا.
قُلْنَا: قَوْلُهُ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ التَّوَفِّي وَهُوَ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ بَعْضُهَا بِالْمَوْتِ وَبَعْضُهَا بِالْإِصْعَادِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا قَالَ بَعْدَهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ كَانَ هَذَا تَعْيِينًا لِلنَّوْعِ وَلَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ وَالتَّقْدِيرُ: مُتَوَفِّي عَمَلِكَ بِمَعْنَى مُسْتَوْفِي عَمَلِكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ أَيْ وَرَافِعُ عَمَلِكَ إِلَيَّ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فَاطِرٍ: 10] وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى بَشَّرَهُ بِقَبُولِ طَاعَتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَعَرَّفَهُ أَنَّ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَتَاعِبِ وَالْمَشَاقِّ فِي تَمْشِيَةِ دِينِهِ وَإِظْهَارِ شَرِيعَتِهِ مِنَ الْأَعْدَاءِ فَهُوَ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ وَلَا يَهْدِمُ ثَوَابَهُ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجْرِي الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهَا إِلَى تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَفَعَهُ حَيًّا، وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِي إِيَّاكَ فِي الدُّنْيَا، وَمِثْلُهُ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوهَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا تُغْنِي عَنِ الْتِزَامِ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُشَبِّهَةُ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ المكان لله تعالى وأنه في المساء، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي الْمَوَاضِعِ الْكَثِيرَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ تَعَالَى فِي الْمَكَانِ فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ/ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ إِلَى مَحَلِّ كَرَامَتِي، وَجَعَلَ ذَلِكَ رَفْعًا إِلَيْهِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الصَّافَّاتِ: 99] وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ وَقَدْ يَقُولُ السُّلْطَانُ: ارْفَعُوا هَذَا الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي، وَقَدْ يُسَمَّى الْحُجَّاجُ زُوَّارَ اللَّهِ، وَيُسَمَّى الْمُجَاوِرُونَ جِيرَانَ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ التَّفْخِيمُ وَالتَّعْظِيمُ فَكَذَا هَاهُنَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرْفَعُ إِلَى مَكَانٍ لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ لِأَنَّ فِي الْأَرْضِ قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأما السموات فَلَا حَاكِمَ هُنَاكَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ إِلَّا اللَّهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ لَمْ يَكُنِ ارْتِفَاعُ عِيسَى إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا لِانْتِفَاعِهِ وَفَرَحِهِ بَلْ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ لَوْ وَجَدَ هُنَاكَ مَطْلُوبَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ وَالرَّيْحَانِ، فَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: وَرَافِعُكَ إِلَى مَحَلِّ ثَوَابِكَ وَمُجَازَاتِكَ، وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ صِفَاتِ عِيسَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالْمَعْنَى مُخْرِجُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمُفَرِّقٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَكَمَا عَظَّمَ شَأْنَهُ بِلَفْظِ الرَّفْعِ إِلَيْهِ أَخْبَرَ عَنْ مَعْنَى التَّخْلِيصِ بِلَفْظِ التَّطْهِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِعْلَاءِ شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِ مَنْصِبِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 238
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست