responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 213
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ وَنَبِيًّا وَاعْلَمْ أَنَّ السِّيَادَةَ إِشَارَةٌ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: قُدْرَتُهُ عَلَى ضَبْطِ مَصَالِحِ الْخَلْقِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى تَعْلِيمِ الدِّينِ وَالثَّانِي: ضَبْطُ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّأْدِيبِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَّا الْحَصُورُ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الزُّهْدِ التَّامِّ فَلَمَّا اجْتَمَعَا حَصَلَتِ النُّبُوَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُمَا إِلَّا النُّبُوَّةُ.
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الصَّالِحِينَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَيْرٌ كَمَا يُقَالُ فِي الرَّجُلِ الْخَيِّرِ (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) وَالثَّالِثُ: أَنَّ صَلَاحَهُ كَانَ أَتَمَّ مِنْ صَلَاحِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ عَصَى، أَوْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ غَيْرَ يَحْيَى فَإِنَّهُ لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهِمَّ» .
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ مَنْصِبُ النُّبُوَّةِ أَعْلَى مِنْ مَنْصِبِ الصَّلَاحِ فَلِمَا وَصَفَهُ بِالنُّبُوَّةِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي وَصْفِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّلَاحِ؟
قُلْنَا: أَلَيْسَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ حُصُولِ النُّبُوَّةِ قَالَ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النَّمْلِ: 19] وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ: أَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ قَدْرًا مِنَ الصَّلَاحِ لَوِ انْتَقَصَ لَانْتَفَتِ النُّبُوَّةُ، فَذَلِكَ الْقَدْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ يَجْرِي مَجْرَى حِفْظِ الْوَاجِبَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، ثُمَّ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمْ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ نَصِيبًا مِنْهُ كَانَ أَعْلَى قَدْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ رَبِّ خِطَابٌ مَعَ اللَّهِ أَوْ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا مَعَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ نَادَوْهُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا مَعَ ذَلِكَ الْمُنَادِي لَا مَعَ غَيْرِهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا مَعَ الْمَلَكِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ لِلْمَلَكِ: يَا رَبِّ.
وَالْجَوَابُ: لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا نَادَوْهُ بِذَلِكَ وَبَشَّرُوهُ بِهِ تَعَجَّبَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَجَعَ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ التَّعَجُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَالرَّبُّ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُرَبِّي، وَيَجُوزُ وَصْفُ الْمَخْلُوقِ بِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ يُرَبِّينِي وَيُحْسِنُ إِلَيَّ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لَمَّا كَانَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي سَأَلَ الْوَلَدَ، ثُمَّ أَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فَلِمَ تَعَجَّبَ مِنْهُ وَلِمَ اسْتَبْعَدَهُ؟
الْجَوَابُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ خَلْقَ الْوَلَدِ مِنَ النُّطْفَةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا نُطْفَةَ إِلَّا مِنْ خَلْقٍ، وَلَا خَلْقَ إِلَّا مِنْ نُطْفَةٍ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَلَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا مِنْ نُطْفَةٍ أَوْ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَا مِنْ إِنْسَانٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا مُمْتَنِعًا لَمَا طَلَبَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ لَيْسَ لِلِاسْتِبْعَادِ، بَلْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وُجُوهًا الأول: أنه قَوْلَهُ أَنَّى مَعْنَاهُ: مِنْ أَيْنَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: كَيْفَ تُعْطِي وَلَدًا عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَمْ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ شَبَابَهُ ثُمَّ يُعْطِيَهُ الْوَلَدَ مَعَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست