responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 212
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا
[الشُّورَى: 52] وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتِ الْبِشَارَةُ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ: هَذَا هُوَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ، فَسُمِّيَ كَلِمَةً بِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالُوا: وَوَجْهُ الْمَجَازِ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ حُدُوثِ أَمْرٍ فَإِذَا حَدَثَ ذَلِكَ الْأَمْرُ قَالَ: قَدْ جَاءَ قَوْلِي وَجَاءَ كَلَامِي، أَيْ مَا كُنْتُ أَقُولُ وَأَتَكَلَّمُ بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ [غَافِرٍ: 6] وَقَالَ: وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزُّمَرِ: 71] الْخَامِسُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُسَمَّى بِفَضْلِ اللَّهِ وَلُطْفِ اللَّهِ، فَكَذَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ اسْمُهُ الْعَلَمُ: كَلِمَةَ اللَّهِ، وَرُوحَ اللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ هِيَ كَلَامُهُ، وَكَلَامُهُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَصْوَاتٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي جِسْمٍ مَخْصُوصٍ دَالَّةٌ بِالْوَضْعِ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ بِأَنَّ الصِّفَةَ الْقَدِيمَةَ أَوِ الْأَصْوَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْرَاضٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهَا هِيَ ذَاتُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا فِي بَدَاهَةِ الْعُقُولِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّأْوِيلُ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ وَسَيِّداً وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
السَّيِّدُ الْحَلِيمُ، وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: إِنَّهُ كَانَ سَيِّدًا لِلْمُؤْمِنِينَ، رَئِيسًا لَهُمْ فِي الدِّينِ، أَعْنِي فِي الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: الْفَقِيهُ الْعَالِمُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ، قَالَ الْقَاضِي: السَّيِّدُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ سَيِّدًا فِي الدِّينِ كَانَ مَرْجُوعًا إِلَيْهِ فِي الدِّينِ وَقُدْوَةً فِي الدِّينِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْكَرَمِ وَالْعِفَّةِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ وَحَصُوراً وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ الْحَصُورِ وَالْحَصْرُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ، يُقَالُ حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا وَحُصِرَ الرَّجُلُ: أَيِ اعْتُقِلَ بَطْنُهُ، وَالْحَصُورُ الَّذِي يَكْتُمُ السِّرَّ وَيَحْبِسُهُ، وَالْحَصُورُ الضَّيِّقُ الْبَخِيلُ، وَأَمَّا الْمُفَسِّرُونَ: فَلَهُمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ ذَلِكَ لِصِغَرِ الْآلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْإِنْزَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ، / فَعَلَى هَذَا الْحَصُورُ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَأَنَّهُ قَالَ مَحْصُورٌ عَنْهُنَّ، أَيْ مَحْبُوسٌ، وَمِثْلُهُ رَكُوبٌ بِمَعْنَى مَرْكُوبٍ وَحَلُوبٌ بِمَعْنَى مَحْلُوبٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَاسِدٌ لِأَنَّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ النُّقْصَانِ وَذِكْرُ صِفَةِ النُّقْصَانِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ثَوَابًا وَلَا تَعْظِيمًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ لَا لِلْعَجْزِ بَلْ لِلْعِفَّةِ وَالزُّهْدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَصُورَ هُوَ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ حَصْرُ النَّفْسِ وَمَنْعُهَا كَالْأَكُولِ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الْأَكْلُ وَكَذَا الشَّرُوبُ، وَالظَّلُومُ، وَالْغَشُومُ، وَالْمَنْعُ إِنَّمَا يَحْصُلُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُقْتَضِي قَائِمًا، فَلَوْلَا أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالدَّاعِيَةَ كَانَتَا مَوْجُودَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ حَاصِرًا لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَصُورًا، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى تَكْثِيرِ الْحَصْرِ وَالدَّفْعِ إِنَّمَا تَحْصُلُ عِنْدَ قُوَّةِ الرَّغْبَةِ وَالدَّاعِيَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَعَلَى هَذَا الْحَصُورُ بِمَعْنَى الْحَاصِرِ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ أَفْضَلُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى مَدَحَهُ بِتَرْكِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ أَفْضَلُ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّرْكَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَفْضَلُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الْأَنْعَامِ: 90] وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ وَالنَّسْخُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست