responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 73
تَذْكُرُ وَنَحْنُ فِي بَيْتِ فُلَانٍ وَمَعَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ اسْتَحْلَلْتُ التَّصَرُّفَ بِرَأْيِي، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَهُ، فَاشْهَدُوا أَنِّي حَرَّمْتُهُ وَبَرِئْتُ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ، وَحُجَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا، وَقَوْلُهُ وَحَرَّمَ الرِّبا لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّ الرِّبَا عِبَارَةٌ عَنِ الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَتْ كُلُّ زِيَادَةٍ مُحَرَّمَةً، بَلْ قَوْلُهُ وَحَرَّمَ الرِّبا إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ الْمَخْصُوصَ الَّذِي كَانَ مُسَمًّى فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَنَّهُ رِبًا. وَذَلِكَ هُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ وَحَرَّمَ الرِّبا مَخْصُوصًا بِالنَّسِيئَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ رِبَا النَّقْدِ، وَقَوْلَهُ وَحَرَّمَ الرِّبا لَا يَتَنَاوَلُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحِلِّ، وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا يُحَرِّمُهُ بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهَذَا هُوَ عُرْفُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَقِيقَتُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُجْتَهِدِينَ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْقِسْمَيْنِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَبِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا رِبَا النَّقْدِ فَبِالْخَبَرِ، ثُمَّ إِنَّ الْخَبَرَ دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ رِبَا النَّقْدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: حُرْمَةُ التَّفَاضُلِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ، بَلْ ثَابِتَةٌ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: بَلِ الْحُرْمَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ مِنْ وُجُوهٍ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالْأَقْوَاتِ أَشْيَاءَ أَرْبَعَةً، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَكِيلَاتِ أَوْ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ لَقَالَ: لَا تَبِيعُوا الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مُتَفَاضِلًا، أَوْ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلًا، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا، وَأَكْثَرَ فَائِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ عَدَّ الْأَرْبَعَةَ، عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عليها فقط.
الحجة الثانية: أنا أن في قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يَقْتَضِي حِلَّ رِبَا النَّقْدِ فَأَنْتُمْ أَخْرَجْتُمْ رِبَا النَّقْدِ مِنْ تَحْتِ هَذَا الْعُمُومِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، ثُمَّ أَثْبَتُّمُ الْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهَا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، فَكَانَ هَذَا تَخْصِيصًا لِعُمُومِ نَصِّ الْقُرْآنِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِي غَيْرِهَا بالقياس على الأشياء الستة، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ يَكُونُ أَضْعَفَ بِكَثِيرٍ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَضْعَفُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ هَذَا تَرْجِيحًا لِلْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى، وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ، لَا تُمْكِنُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَعْلِيلَ حُكْمِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ مَعْلُومٌ، وَاللُّغَةُ مَظْنُونَةٌ وَرَبْطُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ رِبَا النَّقْدِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ عَنْ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَى/ غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَّا بِتَعْلِيلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ بِعِلَّةٍ حَاصِلَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ فَلِهَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَذَاهِبَ.
فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا الطَّعْمُ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَاشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ النَّقْدِيَّةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا فَفِيهِ الرِّبَا، وَالْعِلَّةُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْوَزْنُ، وَفِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْكَيْلُ وَاتِّحَادُ الْجِنْسِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست