responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 119
اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لَها مَا كَسَبَتْ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الِاخْتِصَاصِ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ امْرِئٍ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَسَائِرِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ»
وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا الْأَصْلُ خَرَجَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ.
مِنْهَا أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ لَا تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ قَائِمٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَها مَا كَسَبَتْ وَالْعَارِضُ الْمَوْجُودُ، إِمَّا الْغَضَبُ، وَإِمَّا الضَّمَانُ، وَهُمَا لَا يُوجِبَانِ زَوَالَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا غَصَبَ سَاحَةً وَأَدْرَجَهَا فِي بِنَائِهِ، أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا لَا يَزُولُ الْمِلْكُ لِقَوْلِهِ لَها مَا كَسَبَتْ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ قَائِمٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَها مَا كَسَبَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ ظَاهِرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَارَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الشَّرِيكِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الِاسْتِوَاءِ وَلِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِمُخَالَطَةِ الْجَارِ أَقَلُّ وَلِأَنَّ فِي الشَّرِكَةِ يُحْتَاجُ إِلَى تَحَمُّلِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْجَارِ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ قَائِمٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَها مَا كَسَبَتْ وَالْقَطْعُ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مَتَى كَانَ بَاقِيًا قَائِمًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَا يَكُونُ الْقَطْعُ مُقْتَضِيًا زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ مُنْكِرِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ احْتَجُّوا بِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوجِبَةَ لِلزَّكَاةِ أَخَصُّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءَهُمْ، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ»
لِأَنَّ الدَّاعِيَ يُشَاهِدُ نَفْسَهُ فِي مقام الفقر والحاجة والذالة وَالْمَسْكَنَةِ وَيُشَاهِدُ جَلَالَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمَهُ وَعِزَّتَهُ وَعَظَمَتَهُ بِنَعْتِ الِاسْتِغْنَاءِ وَالتَّعَالِي، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ فَلِهَذَا السَّبَبِ خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ الشَّرِيفَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى هَذِهِ الْعُلُومِ الْعَظِيمَةِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَالْكَلَامُ/ فِي حَقَائِقِ الدُّعَاءِ ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [الْبَقَرَةِ: 186] فَقَالَ: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الدُّعَاءِ، وَذَكَرَ فِي مَطْلَعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَوْلَهُ رَبَّنا إِلَّا فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ حَذَفَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَنْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا.
أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا تُؤَاخِذْنَا أَيْ لَا تُعَاقِبْنَا، وَإِنَّمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّ النَّاسِيَ قَدْ أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَطَرَقَ السَّبِيلَ إِلَيْهَا بِفِعْلِهِ، فَصَارَ مَنْ يُعَاقِبُهُ بِذَنْبِهِ كَالْمُعِينِ لِنَفْسِهِ فِي إِيذَاءِ نَفْسِهِ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ يَأْخُذُ الْمُذْنِبَ بِالْعُقُوبَةِ، فَالْمُذْنِبُ كَأَنَّهُ يَأْخُذُ رَبَّهُ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْعَفْوِ وَالْكَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يُخَلِّصُهُ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا هُوَ، فَلِهَذَا يَتَمَسَّكُ الْعَبْدُ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْهُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ الْآخَرَ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمُؤَاخَذَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: في النسيان ووجهان الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ النِّسْيَانُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الذِّكْرِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست