responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 116
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يُقَالُ: كَلَّفْتُهُ الشَّيْءَ فَتَكَلَّفَ، وَالْكَلَفُ اسْمٌ مِنْهُ، وَالْوُسْعُ مَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ وَلَا يَضِيقُ عَلَيْهِ وَلَا يُحْرَجُ فِيهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ اسْمٌ كَالْوُجْدِ وَالْجُهْدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوُسْعُ دُونَ الْمَجْهُودِ فِي الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ مَا يَتَّسِعُ لَهُ قُدْرَةُ الْإِنْسَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَزِلَةُ عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ الْعَبْدَ مَا لَا يُطِيقُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وقوله يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النِّسَاءِ: 28] وَقَوْلُهُ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [الْبَقَرَةِ: 185] وَقَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، قَالُوا:
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهَهُنَا أَصْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوجِدُهَا هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، لَكَانَ تَكْلِيفُ الْعَبْدِ بِالْفِعْلِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ الْفِعْلَ وَقَعَ لَا مَحَالَةَ وَلَا قُدْرَةَ الْبَتَّةَ لِلْعَبْدِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا عَلَى تَرْكِهِ، إِمَّا إِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ/ وُجِدَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَوْجُودُ لَا يُوجَدُ ثانياً، وأما إنه لا قدر لَهُ عَلَى الدَّفْعِ فَلِأَنَّ قُدْرَتَهُ أَضْعَفُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْفَ تَقْوَى قُدْرَتُهُ عَلَى دَفْعِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ الْفِعْلَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ عَلَى التَّحْصِيلِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوجِدُ لِفِعْلِ الْعَبْدِ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى لَكَانَ تَكْلِيفُ الْعَبْدِ بِالْفِعْلِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَالثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَافِرُ الْمَأْمُورُ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْإِيمَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ هَذَا تَمَامُ اسْتِدْلَالِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَصْحَابُ فَقَالُوا: دَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ يُنْبِئُ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا فِي الْأَزَلِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يُؤْمِنُ قَطُّ، فَكَانَ الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ مَوْجُودًا، وَالْعِلْمُ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ يُنَافِي وُجُودَ الْإِيمَانِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ في مواضع، وهو أيضاً مقدم بَيِّنَةٌ بِنَفْسِهَا، فَكَانَ تَكْلِيفُهُ بِالْإِيمَانِ مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ كَمَا أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي الْعِلْمِ، فَهِيَ أَيْضًا جَارِيَةٌ فِي الْجَبْرِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ صُدُورَ الْفِعْلِ عَنِ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّاعِي، وَتِلْكَ الدَّاعِيَةُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لَازِمًا، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ صُدُورَ الْفِعْلِ عَنِ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّاعِي، لِأَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَمَّا كَانَتْ صَالِحَةً لِلْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَلَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَزِمَ وُقُوعُ الْمُمْكِنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ نَفْيُ الصَّانِعِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ تِلْكَ الدَّاعِيَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنَ الْعَبْدِ لَافْتَقَرَ إِيجَادُهَا إِلَى دَاعِيَةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ مَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ الْجَبْرَ، لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِ الدَّاعِيَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ صَارَ الطَّرَفُ الْآخَرُ مَرْجُوحًا، وَالْمَرْجُوحُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ، وَإِذَا كَانَ الْمَرْجُوحُ ممتنعاً كان الراجح واجباً ضرورة أنه لَا خُرُوجَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ، فَإِذَنْ صُدُورُ الْإِيمَانِ مِنَ الْكَافِرِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ، فَكَانَ التَّكْلِيفُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّكْلِيفَ إِمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَى الْعَبْدِ حَالَ اسْتِوَاءِ الدَّاعِيَيْنِ، أَوْ حَالَ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ يُنَاقِضُ الرُّجْحَانَ، فَإِذَا كُلِّفَ حَالَ حُصُولِ الِاسْتِوَاءِ بِالرُّجْحَانِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست