responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 115
وَأَمَّا الْقَيْدُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ رَبَّنا فَفِيهِ فَوَائِدُ أَوَّلُهَا: رَبَّيْتَنِي حِينَ مَا لَمْ أَذْكُرْكَ بالتوحيد، فكيف يليق بكرمك أن لا تريني عند ما أَفْنَيْتُ عُمْرِي فِي تَوْحِيدِكَ وَثَانِيهَا: رَبَّيْتَنِي حِينَ كُنْتُ مَعْدُومًا، وَلَوْ لَمْ تُرَبِّنِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَا تَضَرَّرْتُ بِهِ، لِأَنِّي كُنْتُ أَبْقَى حِينَئِذٍ فِي الْعَدَمِ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَوْ لَمْ تُرَبِّنِي وَقَعْتُ فِي الضَّرَرِ الشَّدِيدِ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ لا تهملي وَثَالِثُهَا: رَبَّيْتَنِي فِي الْمَاضِي فَاجْعَلْ لِي فِي الْمَاضِي شَفِيعِي إِلَيْكَ فِي أَنْ تُرَبِّيَنِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَرَابِعُهَا: رَبَّيْتَنِي فِي الْمَاضِي فَإِتْمَامُ الْمَعْرُوفِ خَيْرٌ مِنِ ابْتِدَائِهِ، فَتَمِّمْ هَذِهِ التَّرْبِيَةَ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَفِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا: بَيَانُ أَنَّهُمْ كَمَا أَقَرُّوا بِالْمَبْدَأِ فَكَذَلِكَ أَقَرُّوا بِالْمَعَادِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْمَبْدَأِ أَصْلُ الْإِيمَانِ بِالْمَعَادِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، لَا بُدَّ وَأَنْ يُقِرَّ بِالْمَعَادِ وَالثَّانِيَةُ: بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ، وَالذَّهَابِ إِلَى حَيْثُ لَا حُكْمَ إِلَّا حُكْمُ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَشْفَعَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، كَانَ إِخْلَاصُهُ فِي الطَّاعَاتِ أَتَمَّ، وَاحْتِرَازُهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ أَكْمَلَ، وهاهنا آخِرُ مَا شَرَحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِيمَانِ المؤمنين.

[سورة البقرة (2) : آية 286]
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا/ إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً عَنِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَسَقِ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] وَقَالُوا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَرْدَفَهُ مِنْ قَوْلِهِ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا فَكَأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ طَرِيقَتَهُمْ فِي التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَحَكَى عَنْهُمْ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَبَّهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ: إِنْ قُلْنَا إِنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِينَ فَوَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: كَيْفَ لَا نَسْمَعُ وَلَا نُطِيعُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُنَا إِلَّا مَا فِي وُسْعِنَا وَطَاقَتِنَا، فَإِذَا كَانَ هُوَ تَعَالَى بِحُكْمِ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ لَا يُطَالِبُنَا إِلَّا بِالشَّيْءِ السَّهْلِ الْهَيِّنِ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ بِحُكْمِ الْعُبُودِيَّةِ وَجَبَ أَنْ نَكُونَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا ثُمَّ قَالُوا بَعْدَهُ غُفْرانَكَ رَبَّنا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ غُفْرانَكَ طَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهِ التَّقْصِيرِ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ: غُفْرانَكَ طَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي ذَلِكَ التَّقْصِيرِ، لَا جَرَمَ خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ إِذَا سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَمَا تَعَمَّدْتُمُ التَّقْصِيرَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ مِنْكُمْ نَوْعُ تَقْصِيرٍ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ فَلَا تَكُونُوا خَائِفِينَ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا إِجَابَةٌ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ غُفْرانَكَ رَبَّنا.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 115
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست