responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 87
لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ هَذَا خِطَابًا لِجَمِيعِ مَنْ يُوجَدُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَإِنَّمَا حُكِمَ لِجَمَاعَتِهِمْ بِالْعَدَالَةِ فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتَ لِأَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ بِالْعَدَالَةِ حَتَّى جَعَلْتَهُمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَلَوِ اعْتَبَرْنَا أَوَّلَ الْأُمَّةِ وَآخِرَهَا بِمَجْمُوعِهَا فِي كَوْنِهَا حُجَّةً عَلَى غَيْرِهَا لَزَالَتِ الْفَائِدَةُ إِذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا مَنْ تَكُونُ الْأُمَّةُ حُجَّةً عَلَيْهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ، وَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بِالْأُمَّةِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَؤُمُّ جِهَةً وَاحِدَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: أُمَّةً وَسَطاً فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ تَحْصُلُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: إِنَّهَا تَقَعُ فِي الْآخِرَةِ، وَالذَّاهِبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ لَهُمْ وَجْهَانِ.
الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَشْهَدُ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهِمُ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَهُمْ، رُوِيَ أَنَّ الْأُمَمَ يَجْحَدُونَ تَبْلِيغَ الْأَنْبِيَاءِ، فَيُطَالِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى/ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيُؤْتَى بأمة محمد صلى الله عليه وسلّم اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُونَ فَتَقُولُ الْأُمَمُ مِنْ أَيْنَ عَرَفْتُمْ فَيَقُولُونَ: عَلِمْنَا ذَلِكَ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ النَّاطِقِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الصَّادِقِ، فَيُؤْتَى بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيُسْأَلُ عَنْ حَالِ أُمَّتِهِ فَيُزَكِّيهِمْ وَيَشْهَدُ بِعَدَالَتِهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: 41] وَقَدْ طَعَنَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَوَّلُهُا: أَنَّ مَدَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَنَّ الْأُمَمَ يُكَذِّبُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أن الْقِيَامَةِ قَدْ يَكْذِبُونَ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْقَاضِي، إِلَّا أَنَّا سَنَتَكَلَّمُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الْأَنْعَامِ: 23، 24] .
وَثَانِيهَا: أَنَّ شَهَادَةَ الْأُمَّةِ وَشَهَادَةَ الرَّسُولِ مُسْتَنِدَةٌ فِي الْآخِرَةِ إِلَى شَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ لَمْ يَشْهَدِ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً؟ وَجَوَابُهُ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَمْيِيزُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَضْلِ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى تَصْدِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصْدِيقِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْإِيمَانِ بِهِمْ جَمِيعًا، فَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَالْعَدْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاسِقِ، فَلِذَلِكَ يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَتَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْأُمَمِ عَلَيْهِمْ إِظْهَارًا لِعَدَالَتِهِمْ وَكَشْفًا عَنْ فَضِيلَتِهِمْ وَمَنْقَبَتِهِمْ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَا تُسَمَّى شَهَادَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ»
وَالشَّيْءُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ مَعْلُومٌ مِثْلُ الشَّمْسِ فَوَجَبَ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: قَالُوا مَعْنَى الْآيَةِ: لِتَشْهَدُوا عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي خَالَفُوا الْحَقَّ فِيهَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
الْأَشْهَادُ أَرْبَعَةٌ. أَوَّلُهَا: الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِإِثْبَاتِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ. قَالَ تَعَالَى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: 21] وَقَالَ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18] وَقَالَ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الِانْفِطَارِ: 10- 12] . وَثَانِيهَا: شَهَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَاكِيًا عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة: 117] وَقَالَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَقَالَ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 87
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست